وجه السيد عبد العزيز بوتفليقة اليوم الأحد رسالة إلى الأمة للإعلان عن ترشحه للانتخابات الرئاسية لشهر أفريل 2019 فيما يلي نصها الكامل:
"بسم الله الرحمن الرحيم …أيتها المواطنات الفضليات أيها المواطنون الأفاضل
لقد قلدتموني منذ خمسة أعوام مسؤولية رئيس الجمهورية من أجل مواصلة مسار البناء الوطني. وقد كان هذا الخيار الذي عبرت عنه أغلبية واسعة يعكس دون شك تمسككم بعمل وطني مميز كنت قد تشرفت بجمع قناعاتكم وتعبئة طاقاتكم حوله.
بالفعل ومنذ العهدة الأولى على رأس البلاد كرست كل طاقاتي لإخماد نار الفتنة ولملمة الشتات من جديد لأمة جريحة جراء المأساة الوطنية ثم الانطلاق في إعادة بناء البلاد التي كادت أن تعصف بها أزمة متعددة الأشكال.
وقد تم رفع هذا الرهان أولا بفضل الوئام المدني قبل أن يتعزز بالمصالحة الوطنية التي قررتموها بكل سيادة. وبفضل هذه الخيارات التاريخية استتب الأمن والسكينة في بلادنا والتأمت الجراح وعادت الأخوة تلف قلوب مواطنينا.
زيادة على ذلك صار صوت الجزائر يعلو من جديد وبقوة في الساحة الدولية وأصبحت المصالحة الوطنية مثالا يحتذى بالنسبة للعديد من الأمم في العالم.وفي ظل السلم المستعاد أصبحت البلاد ورشة كبيرة بعد أن مرت بمرحلة صعبة طبعها تعديل هيكلي اقتصادي واجتماعي مرير.
وقد توالت الإصلاحات في العديد من المجالات وأخص بالذكر العدالة والتربية والإدارة والاقتصاد. كما أحرزت الديمقراطية وحقوق المواطنين وحرياتهم خطوات عملاقة على درب التقدم دعمتها المراجعة الدستورية الأخيرة.
ففي المجال الإقتصادي عززت الجزائر سيادتها بفضل التخلص من المديونية وجمع احتياطات الصرف وتكوين ادخار عمومي معتبر وهي العوامل التي مكنتنا من الصمود أمام انهيار أسعار البترول في السنوات الأخيرة وسمحت لنا بالاستمرار في مسار التنمية.
كما باشرت الجزائر برامج مكثفة لبناء المنشآت القاعدية وسمحت الإصلاحات والحوافز العمومية موازاة مع ذلك بتحقيق تقدم لا ريب فيه في تنويع الاقتصاد والشروع في التصدير خارج المحروقات.
وعلى الصعيد الاجتماعي فقد تحسن الوضع بشكل ملحوظ. ويتجلى ذلك من خلال التراجع المسجل في معدل البطالة والتكفل الجدي والمحسوس لإسكان أهلنا في كل أرجاء الوطن والتلبية الواسعة لاحتياجات المواطنين في مجال المياه والطاقة إلى جانب تزايد عدد بناتنا وأبنائنا الذين يرتادون المدارس ومراكز التكوين والمعاهد والجامعات بمعدل ثلاثة أضعاف. وبفضل ذلك بلغ مؤشر التنمية البشرية مستويات ملحوظة في المقارنات الدولية.
وقد كان التقدم في التنمية مصحوبا بتطور نوعي في أسس المجتمع فتعززت إذاك الوحدة الوطنية من خلال ترقية الأمازيغية بصفتها إحدى ركائز هويتنا الوطنية إلى جانب الإسلام واللغة العربية. مثلما شهدت المرأة مكانتها ودورها يرتقيان في السياسة أو في عالم الشغل إلى مستوى مساهمتها في تحرير البلاد والبناء الوطني.
كما حرصنا دوما على تزايد اهتمام شبابنا بضمان مستقبله عبر التحصيل العلمي والمعرفي المكثف وكذا عن طريق و لوجه المستمر في المجالات الإنتاجية والقيادية في شتى الميادين.
وانصب اهتمامنا كذلك على جاليتنا الوطنية بالخارج نظرا لدورها التاريخي المشهود أثناء ثورة التحرير المباركة ولارتباطها العميق بالبلاد وبهذه المناسبة أعبر على وفاء الدولة للسعي إلى المحافظة على حقوقها المشروعة والتكفل بانشغالاتها والسهر على إشراكها في بناء الوطن.
وإلى جانب ذلك فقد حرصنا على عصرنة الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني بما يمكن بلادنا من ضمان أمنها في خضم الأزمات والصراعات التي تهز منطقتنا. وأغتنم هذه الفرصة لأعبر على عرفان الأمة وامتنانها من جديد لكافة أفراد قواتنا المسلحة التي أحييها قيادة وضباطا وصف ضباط وجنود وكل الذين خدموا الجزائر من خلال هذه المؤسسة المجيدة بكل إخلاص ووفاء ونكران الذات. كما أغتنم هذه السانحة لأعبر كذلك على مشاعر التقدير والفخر التي تنتابنا تجاه كل الأسلاك الأمنية والنظامية.
هنا لنترحم جميعا على كل شهداء الواجب الوطني الذين ضحوا بأنفسهم من أجل أن ينعم شعبنا بالاستقرار والأمن والأمان في ظل الجمهورية التي هي ثمرة شهداء ثورة نوفمبر المجيدة.
أما على ال مستوى الدولي فقد أصبحت الجزائر وستبقى شريكا استراتيجيا للعديد من القوى الفاعلة في العالم وهي التي أمست اليوم تضطلع بدور رائد في فضاءات انتمائها برصيدها الثري ومواقفها الثابتة.
أيتها المواطنات الفضليات أيها المواطنون الأفاضل
إن أشواط التقدم تلك التي أحرزتها بلادنا ووعي المواطنين بالرهانات والتحديات المحدقة بها هي التي أدت دون شك في الأشهر الأخيرة بالعديد من الأصوات لدى الطبقة السياسية والمجتمع المدني إلى مناشدتي مرة أخرى لمواصلة مهمتي في خدمة البلاد.
وهنا أود أن أغتنم هذه المناسبة لأعبر عن عميق عرفاني وامتناني لهذه النداءات التي أتفهم تطلعاتها إذ تشعرني بارتياح كبير لكونها تبعث لدي الإحساس بالاطمئنان بأنني لم أخيب أمل أغلبية شعبنا حتى وإن لم أجسد التزاماتي كلها إزاءه ولم أستجب لكافة تطلعاته وطموحاته الكبيرة.
وفي نفس الوقت فأنا أدرك تماما بأن بلادنا ما تزال لديها ورشات هامة يتعين التكفل بها واستكمالها وتحديات كبيرة ينبغي رفعها.
وبطبيعة الحال لم أعد بنفس القوة البدنية التي كنت عليها ولم أخف هذا يوما على شعبنا إلا أن الإرادة الراسخة لخدمة وطني لم تغادرني قط بل وستمكنني من اجتياز الصعاب المرتبطة بالمرض و كل امرئ يمكنه التعرض له في يوم من الأيام.
إن إرادتي هذه فضلا عن التزامي بخدمة الوطن استمدهما من تمسكي الراسخ بالوفاء بالعهد الذي كنت قد قطعته مع الشهداء الأبرار وتقاسمته مع المجاهدين الأخيار رفقائي في ثورة التحرير الوطني.
وإنني في هذا النحو واستجابة لكل المناشدات والدعوات ولأجل الاستمرار في أداء الواجب الأسمى أعلن اليوم ترشحي للانتخابات الرئاسية لشهر أفريل المقبل.
أيتها المواطنات الفضليات أيها المواطنون الأفاضل
أود بهذه المناسبة أن أشاطركم بعض الأفكار حول الصعاب والمتطلبات التي يستوجب على بلدنا مواجهتها إلى جانب التحديات التي تنتظرنا وكذا وسائل رفعها.
فالتطورات التي أحرزت في طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أبرزت متطلبات حديثة وطموحات جديدة وسط مجتمعنا ولاسيما لدى أجيالنا الشابة المتفتحة على العالم بفضل تكنولوجيات الإعلام والاتصال والمتطلعة أيما تطلع للمشاركة بقوة في تنمية وطنها.
فكل تلك التحديات مرتبطة أساسا بتعزيز مجتمع غايته التقدم والعدالة والمساواة متوافق سياسيا ومتناسق اجتماعيا يرتكز على اقتصاد منتج وتنافسي يتحرر شيئا فشيئا من التبعية المفرطة للمحروقات سواء على مستوى الميزانية العمومية أو على المستوى المالي.
ونحن نشق طريقنا لبناء هذا المجتمع يتعين علينا اليوم أن نجابه كما من القيود وأخص منها بالذكر تلك المتعلقة بالنمو الديمغرافي وتعدد الاحتياجات الواجب تلبيتها وتآكل مواردنا المالية الخارجية وعدم استقرار الاقتصاد العالمي والاضطرابات الإقليمية والعالمية وكذا بروز بعض السلوكات المنافية لمبادئ النزاهة والمناقضة للأبعاد الاخلاقية التي تقدس قيمة العمل وبذل المجهود.
وللتكفل بهذه المتطلبات والتحديات والصعاب فإن الأمر يتطلب بادئ ذي بدء تحقيق المزيد من التقدم في مختلف ميادين الحكامة والنمو الاقتصادي فضلا عن التنمية الاجتماعية والتربوية والثقافية.
والحقيقة أننا سوف نجد في تظافر نوايانا وجهودنا وقوانا وجعلها مجتمعة في خدمة المصلحة الوطنية نجد القدرة على التحول نحو مجتمع التقدم والعدل والمساواة الذي نصبو إليه جميعا.
وانطلاقا من قناعتي التامة بما أسلفت كنت قد دعوت منذ عدة أشهر مضت قوى الشعب للالتفاف حول توافق وطني وسياسي يمكنهم من التحرك الأمثل معا من أجل الحفاظ على مكاسبنا وتمكين بلادنا من مواصلة التقدم في ظل الوحدة والاستقرار وسط محيط جهوي غير مستقر وظرف دولي شديد الاضطراب.
وقناعتي أيضا أن التوافق هو ميزة نبيلة استطاع شعبنا أن يضمن من خلالها اللحمة بين صفوفه ليرفع تحديات عظيمة على غرار ثورة نوفمبر المجيدة وكذا بالأمس القريب التفاف الشعب حول الوئام المدني والمصالحة الوطنية.
وعليه فإنني إذا ما شرفتموني بثقتكم الغالية في أفريل المقبل سأدعو في غضون هذه السنة كل قوى الشعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى عقد ندوة وطنية ستكرس تحقيق التوافق حول الإصلاحات والتحولات التي ينبغي أن تباشرها بلادنا بغرض المضي أبعد من ذي قبل في بناء مصيرها ولأجل تمكين مواطنينا من الاستمرار بالعيش معا أفضل وأفضل في كنف السلم والازدهار.
أيتها المواطنات الفضليات أيها المواطنون الأفاضل
دعوني هاهنا أوضح لكم دوافع هذه الندوة وكذا المهام التي ستوكل إليها.
لقد ذكرتكم قبل قليل بالمنجزات التي جسدناها معا في مجالات السلم والوئام والإصلاحات والتنمية منجزات يظل من الواجب تحسينها وذلكم بالأخص من أجل استرجاع وتعزيز ثقة المواطنين في مؤسساتهم وتوطيد أركان دولة القانون والحكم الراشد ودعم تنمية اقتصادية مبنية على العدالة الاجتماعية مع التمكين لاقتصاد وطني يتسم بالمبادرة والإنتاجية والتنافسية.
إن الإصلاحات السياسية التي باشرتها منذ عام 2011 تهدف إلى تعزيز ثقة المواطنين في مؤسساتهم من خلال أولا وقبل كل شيء ضمان شفافية ونزاهة الاقتراع وترقية ديمقراطيتنا اليافعة التعددية لكي تفرز بدائل ذات مصداقية للناخبين مثلما يعني تعزيز رقابة البرلمان على السلطة التنفيذية وتكريس واجب تقديم الحسابات بالنسبة لجميع المسؤولين بمختلف مستوياتهم كما يعني أيضا تمكين المعارضة من تجسيد الدور الذي أقر ه لها الدستور والذي يجب أن تؤديه بالفعالية المطلوبة داخل البرلمان.
بل إن تعزيز ثقة المواطنين في مؤسساتهم يقتضي أيضا أجوبة أكثر تكيفا مع تطلعات شبابنا إذ ينأى أحيانا أغلبهم بنفسه عن المشاركة في الحياة السياسية بل ووصل الأمر بالبعض منهم بأن اختاروا الجنوح إلى محاولات اغتراب مفرطة وانتحارية. لذا يتوجبعلينا ضمان حضور أقوى للشباب في الهيئات التنفيذية وفي المجالس المنتخبة من أجل تحديد أجوبة لتطلعاتهم ووضعها حيز التنفيذ.
أما توطيد أركان دولة القانون والحكم الراشد فإنه ينبغي علينا أولا القضاء على آفة البيروقراطية بفضل عصرنة ولامركزية الإدارة العمومية بصفة فعالة كما
يلزمنا أيضا تعزيز مساهمة المواطن في تسيير الشؤون المحلية من خلال وضع ميكانزمات قوية للديمقراطية التشاركية لتحقيق نجاعة أفضل في تسيير المرفق العام وضمان ديمومته.
إلا أن ترسيخ دولة القانون يعني خاصة دعم استقلالية العدالة وضمان تنفيذ أكبر قدر ممكن من قراراتها. كما يعني تحقيق مزيد من التقدم في مكافحة الفساد عن طريق تعزيز الهيئات المكلفة بهذه المهمة إلى جانب مشاركة أكبر للمجتمع المدني في هذه المعركة.
وفي الميدان الإقتصادي يتعين علينا أن نعمق الإصلاحات الهيكلية والمالية وهذا لمواجهة الصعوبات الاقتصادية الحالية والعمل على فرض ديناميكية تنموية جديدة ذات حجم وتنافسية أكبر. ولبلوغ هذه الغاية يجب أن يتم إدخال التغييرات الضرورية دون أي تعنت أو دوغماتية بمساهمة القطاع العام ورأس المال الخاص الوطني والشراكة الأجنبية على أن يكون المرجع الوحيد هو النجاعة والفعالية فضلا عن خلق مناصب الشغل ورفع مداخيل البلاد.
أخيرا وفي المجال الاجتماعي فإننا نعتبر مبادئنا بالنسبة للعدالة والمساواة من الثوابت الوطنية التي يتطلب تجسيدها إجراء عمليات تحيين مستمرة ترمي إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين ومن أجل ضمان استدامة منظومتنا للحماية الاجتماعية.
ولكن ما نصبو إلى تحقيقه في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي لا يمكن بلوغه إلا إذا عملنا جاهدين على تحسين الحكامة الراشدة على مستوى هيئات الدولة كما على مستوى الإدارة مرورا بقطاع المؤسسات العمومية والخاصة. ومن هنا تتجلى الأهمية القصوى التي تستوجب أن يتولى مناصب المسؤولية والتسيير مورد بشري نوعي ومكون أحسن تكوين يتعين علينا تشجيعه وحمايته.
تلكم هي بعض الانشغالات التي ينبغي أن تناقشها الندوة الوطنية من أجل اقتراح حلول تحظى بأكبر قدر ممكن من التوافق.
وفضلا عن إعداد أرضية سياسية واقتصادية واجتماعية يمكن أن تقترح الندوة الوطنية أيضا إثراء عميقا للدستور في ظل احترام أحكامه المتعلقة بالثوابت الوطنية والهوية الوطنية والطابع الديمقراطي والجمهوري للدولة.
وسوف تعرض علي الاقتراحات التي ستتمخض عن الندوة الوطنية من أجل تجسيدها وفق الطرق المناسبة.
أيتها المواطنات الفضليات أيها المواطنون الأفاضل
تلكم إذا هي الرسالة التي حرصت على تبليغكم إياها اليوم من أجل الإعلان عن ترشحي للانتخابات الرئاسية لشهر أفريل المقبل ومن أجل مقاسمتكم عزمي الصادق على إشراك كل القوى الوطنية السياسية و الجمعوية والنقابية في مواصلة بناء ديمقراطيتنا.
ومن هذا المنطلق فإنني أتطلع إلى تغليب كل ما يجمعنا على ما يفرقنا في ظل احترام تعددية الرؤى وأملي هو أن تتوحد الجزائر الديمقراطية والتعددية بفعالية وقوة لأجل السلم و أكثر فأكثر في بناء مستقبلها.
أيتها المواطنات الفضليات أيها المواطنون الأفاضل
نعم... معكم من أجلكم ! ..نواصل البناء... بروح الوفاء.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار ...تحيا الجزائر".
المصدر : وكالة الأنباء الجزائرية