مسرحية تيزيري: الجمهور على الخشبة

أعادت مسرحية "تيزيري" التفاعلية، العلاقة بين الجمهور والفن السابع، بإشراك المتلقي في التمثيل، وطرح البدائل ضمن المسرح التفاعلي، الذي لا يتعامل مع الجمهور كمتلقٍ سلبي بل يشركه في عملية إنتاج المعنى داخل العرض، ويجعله جزءا منه، مساهما في مساراته مقترحا الحلول للظواهر الاجتماعية والسياسية التي يعالجها العمل.

 ويبدأ هذا العمل المسرحي الذي قدمته فرقة "المشوار" بالفضاء الطلق -ضمن فعاليات تظاهرة racont’art أو (احك فنا) التي احتضنتها مدينة الساحل ببوزقن التابعة لولاية تيزي وزو يوم الخميس عشية اختتام هذه التظاهرة الثقافية التي دامت أسبوعا- يبدأ بعرض كوريغرافي يقدمه أحد الممثلين في الساحة العامة، وقد سبقه التحام الممثلين بالجمهور وهم يجوبون الأزقة والشوارع لدعوة الجمهور إلى العرض، بإنهاضهم بشكل حميمي أو تغيير مسارهم بمداعبتهم بالكلمات أحيانا، وبإمساكهم من أيديهم في أحيان أخرى، مما خلق حميمية بين أعضاء الفرقة والحاضرين، ليضاف إلى ذلك إشراك جميع الحضور في لعبة التصفيق الإيقاعي، لإدخال الجميع ضمن عالم العرض المسرحي، وإشعارهم بالمشاركة والمساهمة في العمل المسرحي التفاعلي الذي يقوم على مبدأ الارتجال والخروج عن النص، وتوريط المتلقي في المسرحية.

تيزيري: القصة غير المكتملة يتلخص العرض المسرحي التفاعلي، " في قصة الفتاة المقبلة على شهادة البكالوريا، تيزيري التي تعاني مشاكل عائلية بسبب عنف واستبداد ودكتاوتورية أبيها، بائع المخدرات المتسلط، وتدور أحداث القصة في حي صغير، يتشكل من الجيران الذين يشكلون أطراف الصراع في هذه المسرحية، وعلى رأسهم يوبا الشاب الصادق رغم عجزه الذي تربطه علاقة صداقة بتيزيري بينما يرفض والداه لقاءه به ويمنعاه من الحديث معها، والبيت الثالث بيت عمتها التي تعاني أيضا من مشاكل اجتماعية ولا استقرار مع زوج سكير، إضافة إلى جارهم الراقي الانتهازي الذي يتاجر بمآسي الناس، وهو نموذج الذين جعلوا الدين سجلا تجاريا، وتتطور الأحداث إلى أن تطرد تيزيري من بيت والدها...ويتوقف العرض عند هذا الحدث الذي يدفع الجمهور للتعاطف مع حالتها، وهنا تتدخل المخرجة لتعلن عن نهاية السيناريو، وتطلب تكملة من الجمهور لمساعدة تيزيري. تيزيري قضية امرأة، أم قضية وطن؟ تتقارب حروف اسم البطلة "تيزيري" مع اسم الجزائر، وهي إشارة واضحة من مخرجة المسرحية إلى وضع الجزائر، وإسقاط ضمني على ما يحدث فيها، بعد عقود من الاستبداد والفساد السياسي، والتسلط والوصاية الأبوية، وهي العوامل التي أدت إلى ضياع البوصلة، والتيه المزمن الذي يحتاج إشراك الجميع في إيجاد الحلول لهذه الأزمة البنيوية التي تكاد تعصف بالبلد، فيما يرمز يوبا إلى طاقة الشباب المعطلة التي تثقلها العادات والتقاليد، وهي تحاول قتل الأب، لكنها مبرمجة نسقيا على تبجيله وتقديسه وطاعته، ترفض المخرجة النقد والكلام الإنشائي، وتطلب من الجمهور أن يكون التدخل بلعب دور إحدى الشخصيات، لمساعدة تيزيري، وهنا يساهم التأويل في تعدد القراءات لهذا العمل، ويقترح بعضهم، إقناع عائلة يوبا باستقبالها بعض الوقت، لكن الأمر يتأزم بين العائلتين بسبب هذا السيناريو، فيما يقترح آخرون على تيزيري زيارة طبيب نفسي وإعداد تقرير وتقديم بلاغ للأمن ومتابعة عائلتها قضائيا، فيما ينصح مناضلو الحركات النسوية(الفيمينيست) باللجوء إلى شبكة وسيلة لمساعدة النساء المضطهدات. شبكة وسيلة: الحل أم تعميق للأزمة؟ يبدو مقترح اللجوء إلى شبكة وسيلة كجهة خارج العائلة للدفاع عن تيزيري، حلا مقبولا في القضايا الاجتماعية، أما في القراءة السياسية للعمل، فالغاية في عرف الجزائريين لا تبرر الوسيلة، خلافا للمبدأ الميكيافلي، لأن حساسية الجزائريين بكل أطيافهم واختلاف مشاربهم وتوجهاتهم الاديولوجية، يجمعون، على رفض تدخل طرف أجنبي في صراع داخلي، ولعل لجوء تيزيري إلى المعرفة(الدراسة) التي ستتيح لها الاستقلالية وعدم التبعية الاقتصادية باعتمادها على نفسها، هو ما سيجعلها أكثر قوة أمام الأزمات، خاصة إذا تحالفت مع يوبا (الطاقة الشابة) للخروج من أزمتها الحالية.

 

المصدر: ملتميديا الإذاعة الجزائرية - باكرية.ن

ثقافة وفنون, ابداعات, مسرح