
برنامج "تاريخ وأمجاد "يتناول ذكرى تأسيس الإذاعة السرية
لعبت الإذاعة السرية صوت الجزائر المكافحة لنيل حريتها من المستعمر الفرنسي الغاشم دورا بارزا في التعريف بالثورة الجزائرية للرأي العام . و كانت أول وسيلة إعلامية مسموعة جزائرية تلج حرب الموجات السمعية ضد الاحتلال لتتصدى إعلاميا للدعاية الإستعمارية التي مفادها أن "الجزائر فرنسية".ففي تلك الفترة أدركت قيادة الثورة أن العمل العسكري لوحده لا يكفي بل ينبغي دعمه بالعمل الإعلامي لكون هذا الأخير يستطيع أن يكيف الرأي العام ،و التحدي أمامه كان كبيرا كون العدو الفرنسي كان يتمتع بإمكانيات كبيرة في هذا المجال.
وفي هذا الصدد تناول برنامج تاريخ وأمجاد المناسبة من خلال تسليط الضوء عن فكرة إنشاء الإذاعة السرية بإستضافت المجاهد محمد ذباح ضابط سابق بجيش التحرير الوطني في سلاح الإشارة وصاحب كتاب " كلنا نلقب بشبكة الراديو المتمردة" وكتاب " وزارة التسليح والإتصالات".
رغم قلة الإمكانيات و التجربة يقول المجاهد محمد دباح إستطاعت الإذاعة السرية الجزائرية التي كانت متنقلة في البداية هروبا من عيون المستعمر الفرنسي أن ترى النور في 16 ديسمبر من العام 1956 في المغرب الشقيق و بالتحديد من مدينة "الناظور"، وكانت تخاطب المستمعين لتقول "هنا إذاعة الجزائر حرة مكافحة ...صوت جيش التحرير و جبهة التحرير الوطني يخاطبكم من قلب الجزائر".
و كان مضمون الحصة الأولى التي بثت في ذلك اليوم مرتبطا بالتحرير السياسي، و ركز على توضيح الأسباب الي دفعت بقادة الثورة لإعلان العمل المسلح و الثورة على الاستعمار الفرنسي، حيث كانوا مقتنعين بأن قضية تحرير الوطن يجب أن يتبناها الشعب ويساعدهم على تحقيق أهدافها.و تم إذاعتها باللغة الفرنسية و العربية والأمازيغية، فمضامين البرامج في الإذاعة السرية تنوعت بين البلاغات العسكرية و التعليق السياسي و الرد على الإدعاءات الإستعمارية بالإضافة إلى بث برامج تعبوية في إطار عمل إعلامي هدفه الأول تزويد الجزائريين بأخبار الثورة و تطورات الأوضاع في الداخل و الخارج.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن عبد الحفيظ بوصوف هو أول من جاء بفكرة الإذاعة السرية و كان آنذاك قائدا للولاية الخامسة ، أما مهمة تسيير مضمونها الإعلامي تكفل بها المناضلون كمال داودي الذي كان مسؤولا عن القسم الأمازيغي، عيسى مسعودي كان مسؤولا عن القسم العربي، أما مصطفى تومي فتكفل بالقسمين الفرنسي و العربية الجزائرية أي "الدارجة"، بالإضافة إلى كل هؤلاء نجد مدني حواس، بلعيد عبد السلام، محمد سوفي، عبد الرحمن الأغواطي،خالد سوفي،دحو ولد قابلية،خالد تيجاني،عبد المجيد مزيان،رشيد نجار و القائمة طويلة. وبحسب المناضل مصطفى تومي هؤلاء كانوا يحرصون على إيصال الأخبار و المعلومات للمواطنين و بثلاث لغات.
فبعد حصول قيادة الثورة على أجهزة إتصال أمريكية الصنع ، تم تعديلها لتستعمل في مجال البث الإذاعي كجهاز PC610 ، وتمكنت الإذاعة السرية من البث يوميا من خلال شاحنة متنقلة من نوع GMC و لمدة ساعتين إبتداء من الثامنة مساء، و كانت تستهل بثها بالنشيد الوطني متبوعا بأخبارعن كل ما يجري في الجزائر مع التركيز على أخبار المعارك و الخسائر التي كان يتكبدها العدو على يد الثوار.
بعد تأسيس الحكومة المؤقتة الجزائرية في 19 سبتمبر من عام 1958 إزداد إهتمام قيادة الثورة التحريرية بدعم العمل الإعلامي بصفة عامة و العمل الإذاعي بصفة خاصة، حيث إستفادت الإذاعة السرية من تجديد أجهزتها و تقوية البث و زيادة الحجم الساعي لها، كما دعم طاقم العاملين فيها بعدد من الصحفيين المناضلين كإلتحاق عيسى مسعودي الملقب بالصوت الرمز للثورة الجزائرية .
حاول الفرنسيون قطع الطريق أمام نجاح هذه الإذاعة من خلال التشويش على برامجها، لكن بفضل تقنييها الشباب الذين ابتكروا عدة أساليب استطاعت مواجهة مخططاتهم كتقريب موجات بث الإذاعة السرية من موجات فرنسا أو أي دولة لها علاقة طيبة معها، و بالتالي كانت كل عملية تشويش تقوم بها فرنسا عقبها مباشرة تكون هي أول المتضررين و بعدها الدول الصديقة لها.
إستطاعت الإذاعة السرية بفضل العاملين بها و السياسة الحكيمة لقادة الثورة التحريرية أن تكون سلاحا مجديا في يد الثوار تضاهي فعاليته الأسلحة الحربية، و لعل أهم ما ميزها كونها كانت جزائرية مائة بالمائة في برامجها و إطاراتها السياسية و التقنية على حد سواء.
فرغم قلة الإمكانيات والتجربة استطاعت الإذاعة السرية أن تحقق أهدفها في زرع الخوف في قلب المستعمر و بعث الثقة في نفوس الجزائريين و فك العزلة الإعلامية عنهم..