الرئيس تبون يؤكد :الجزائردولة قائمة بقوتها وجيشها واقتصادها وشعبها ، واحترامها شرط للتعامل معها
أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، هذا الأحد، أنّ عودة سفير الجزائر الى باريس مشروطة بـ "الاحترام الكامل" للدولة الجزائرية، مضيفًا أنّ "التاريخ لا يمكن تزييفه والعلاقات مع فرنسا هي مسؤولية شعب وتاريخ".
جاء هذا في المقابلة الصحفية التي أجراها مع ممثلي وسائل اعلام وطنية، قائلا :إنّ التاريخ "لا يسير بالأهواء ولا بالظروف"، داعيًا الى ترك مهمة كتابة التاريخ بين الجزائر وفرنسا للمؤرخين، مضيفًا: "حتى نحن لنا ما نقوله بشأن دولتهم (فرنسا)".
وردًا على التصريحات الاخيرة للرئيس الفرنسي ضدّ الجزائر ومؤسساتها، تابع رئيس الجمهورية: "الذي يمس الجزائر لا يذهب بعيدا"، مشدّدًا على أنّ "كرامة الجزائر لا تباع بمليارات الدولارات واليوروهات، وأنّ شهداء الجزائر المقدّر عددهم بـ 5 ملايين و630 ألف شهيد يطالبوننا اليوم باستعادة حقهم".
في الشأن ذاته، ذكر رئيس الجمهورية أنّ فرنسا ارتكبت خلال احتلالها للجزائر على امتداد 132 سنة "جرائم في حق الشعب الجزائري لا يمكن محوها بكلمة طيبة"، مشيرًا إلى أنّ الاستعمار الفرنسي "أباد عائلات وعروشا بكاملها"، وأنّ احتلاله للجزائر كلفه 70 سنة من الحرب والمقاومات والانتفاضات التي شملت كل مناطق الوطن، لأننا كنا أمة".
وأضاف: "على فرنسا أن تنسى بأنّ الجزائر كانت مستعمرة"، مستطردًا بأنّ "الدولة قائمة بكل أركانها بقوتها وجيشها واقتصادها وشعبها الأبي الذي لا يرضخ إلاّ لله عزّ وجل".
ونفى الرئيس ما أوردته باريس قبل أيام، وشدّد: "قائمة المرشحين للترحيل من فرنسا إلى الجزائر تحمل 94 شخصًا خلافًا لكذبة القرن التي اختلقتها وزارة الداخلية الفرنسية، وزعمها بوجود 7 آلاف شخص".
* وجوب تسليم باريس لرئيس "الماك"
شدّد رئيس الجمهورية، على وجوب تسليم فرنسا رئيس الحركة الانفصالية الإرهابية "الماك"، فرحات مهني، إلى الجزائر، وأضاف: "هو إرهابي ولدينا أدلة حول جمعه الأموال من أجل اقتناء الأسلحة، وهذا بمباركة الدول التي وجد فيها ملاذًا وأصداء إعلامية".
هذا وذكر رئيس الجمهورية أنّ التهم الموجهة لرئيس "الماك" تتصل بأفعال إجرامية وحقائق "تمس بالوحدة الوطنية"، مشيرا إلى "تواطؤ" المغرب مع هذا التنظيم الإرهابي،بما في ذلك الحرائق "المفتعلة" التي اندلعت خلال الصائفة الماضية بعدة ولايات من الوطن، كتيزي وزو، والتي ثبت ضلوع التنظيم الإرهابي المذكور فيها، مؤكدًا أنّ "ضلوع المغرب فيما فعله الماك، مثبّت بالصوت والصورة".
وعن وجود معطيات جديدة بخصوص هذه الحرائق، ذكر رئيس الجمهورية أنّه لا يمكن الكشف عنها في الوقت الحالي لأنّ "البعض قد يعتبره تدخلاً أو ضغطًا على العدالة"، غير أنه أكد في سياق ذي صلة على أنّ الحديث عن وجود تدخل أجنبي والذي قد ينفيه البعض، هو "ليس مجرد كلام بل مثبّت بالأدلة"، علمًا أنّ الجزائر صنّفت كلاً من "الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبائل" (ماك) و "رشاد" كحركتين إرهابيتين.
وفي إشارته لأوامر القبض التي أصدرتها الجزائر مؤخرًا، أكّد الرئيس تبون "نحن حاليا بصدد استنفاذ كافة الأشكال القانونية والقضائية"، متابعًا "نحن نحترم قرارات البلدان الأخرى والشرعية الدولية التي يتعين أن تحترم أيضًا من قبل الأطراف الأخرى فهي ليست عنصرا متغيرًا"، وخاطب الدول التي تأبى تسليم المبحوث عنهم من قبل الجزائر: "أنت تريد طرد من يزعجونك، لكنك تغض الطرف عمن يعملون مع مصالحك الأستعلاماتية... ".
* استبعاد "إجبارية" التلقيح
استبعد رئيس الجمهورية أن يصبح التلقيح ضد فيروس كوفيد-19 "إجباريًا مستقبلاً، وأشار إلى أنه شخصيًا تلقى اللقاح على غرار العديد من الجزائريين، مذكّرًا بأنّ التلقيح يعدّ عملية طبية "تسعى لها كل دول العالم". وقال الرئيس: "أستبعد إجبارية التلقيح، لكن التلقيح يبقى الخيار الأوحد"، مضيفًا: "الإشاعات أثرّت على مسار التلقيح، لكن نسبة التلقيح مُرضية نسبيًا، وفي الجزائر العاصمة، لو نصل إلى تلقيح مليوني نسمة، سيكون الأمر جيدًا"، وتابع الرئيس: "نستهدف تلقيح 25 إلى 30 مليونًا، لكن إلى حدّ الآن وصلنا إلى 11 مليونًا وهو ما يجعلنا بعيدين عن رهان المناعة الجماعية، إذا استمرينا على هذا المنوال، قد يصيبنا متحور آخر، لذا خطر الموجة الرابعة لا يزال قائمًا ... إذا لم نستكمل عملية التلقيح"، مبرزًا أنّ الجزائر تتوفر على "العدد الكافي من اللقاحات"، فضلا عن كونها أصبحت تنتجه محليًا. وجدّد رئيس الجمهورية دعوة المواطنين للتلقيح ضد فيروس كورونا، مشدّدًا: ''القضية لم تعد مسألة خيار، وإنما هي قضية مستقبل، لتجنّب تكرار ما وقع خلال فترة الجائحة والتي فقدنا فيها شبابا في مقتبل العمر".
وأشاد الرئيس بجهود الجيش الوطني الشعبي ومساهمته في استقدام اللقاح من خلال تجنيد طائراته في رحلات متكررة إلى الصين وروسيا، قائلاً: ''إنّ التذكير بما قام به جيشنا خلال فترة الجائحة وكل ما قامت به الدولة، إنما يأتي لتذكير مواطنينا بقيمة هذا اللقاح".
*المضاربة "العدو اللدود" للاقتصاد الوطني ... وارتفاع الأسعار "غير مبرّر"
اعتبر رئيس الجمهورية أنّ المضاربة "العدو اللدود" للاقتصاد الوطني والمواطن، رافضا مبررات ارتفاع أسعار المواد والسلع الغذائية، و التي تعود في الحقيقة " لخلفيات سياسية "، مضيفًا أن "هناك طفيليون يخدمون مصالحهم الخاصة ويتم استعمالهم من قبل عصابات تعمل على خلق البلبلة" ،مستدلا بالعجائن التي زادت أسعارها مع أنّ أسعار مادة السميد التي تستعمل كمادة أولية في صناعة هذه المنتجات بقيت مستقرة، كما أنّ الماء والكهرباء المستخدمين في الانتاج لا زالا يحظيان بالدعم.
أما عن ارتفاع الأسعار المرتبط بالتداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19، و الذي يأتي في سياق ما تشهد معظم الدول، تسعى الدولة لامتصاصه من خلال تحمّل الخزينة العمومية لهذه التبعات بدلاً عن المواطنين، فضلاً عن الاجراءات الاستباقية المطبقة منذ 2020، لاسيما رفع الحد الأدنى من الأجور وإلغاء الضريبة على الدخل الاجمالي على الأجور التي لا تزيد عن 30 ألف دينار، وهو الاجراء الذي كلّف الخزينة أزيد عن 100 مليار دينار.
عقوبات تصل إلى الإعدام لـ "طفيليي" التجارة.
أكد رئيس الجمهورية أنّ تجريم فعل المضاربة سيصاغ قانونيا بعقوبة أقلها 30 سنة سجن و قد تصل حد المؤبد وحتى الإعدام، معتبرا " فعل المضاربة الذي تسبّب فيه طفيليون موظفون من قبل عصابات ولوبيات ذو خلفية سياسية، كاد أن يؤدي الى انفجار اجتماعي.
الدولة عازمة على امتصاص أموال السوق الموازية
أكد رئيس الجمهورية عزم الدولة على امتصاص الأموال المتداولة في السوق الموازية من خلال عدة وسائل وآليات وعلى رأسها الصيرفة الاسلامية، وأردف: "من الممكن امتصاص أموال السوق الموازية، بعدة طرق من بينها الصيرفة الاسلامية التي ينبغي أن توسع شبكتها من خلال فتح بنوك أخرى".
وشدّد الرئيس على ضرورة فتح حوار مع أصحاب هذه الأموال بالنظر لتجذّر هذه الظاهرة التي تعود إلى مرحلة فتح المجال للخواص للاستيراد مع بداية تسعينات القرن الماضي، وهي الخطوة التي لم ترافقها آنذاك الرقابة اللازمة.
وصرّح قائلاً: "هذا الاقتصاد نشأ برخصة من الدولة، وتقوّى في العشرية السوداء ثم تطور ليصل الآن إلى 10 الاف مليار دينار، مضيفًا أنّ امتصاص هذه السيولة يشكّل "شغل السلطات الشاغل" وسيتم "بالتي هي أحسن"، وأوضح: "ستسعى الدولة لاسترجاع أموال السوق الموازية بوسائل عدّة تشمل إمكانية الاستثمار في سندات بدون التعريف بهويات أصحابها وبدون فرض ضرائب".
وعما إذا كان الإجراء يعتبر "عفوا"، اعتبر الرئيس أنّ "ذلك يمثل جزءً من قواعد اللعبة"، من دون ذكر تفاصيل أكثر بالنظر لـ"سرية الملف"، على حدّ توصيفه، غير أنّ الرئيس تبون استبعد تغيير العملة الوطنية كحل لاستقطاب الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازية، معتبرًا أنّ ذلك سيخلق طوابير طويلة ويعقد من الحياة اليومية للمواطنين البسطاء.
وفي سياق حديثه عن الاقتصاد الموازي، اعتبر الرئيس إيطاليا أنموذجًا ناجحًا ينبغي دراسته، وذكر أنّ الاقتصاد الإيطالي كان مشكّلاً غداة الحرب العالمية الثانية، بنسبة 80 بالمائة من السوق الموازية، ولهذا "يجب أن ننظر في الوسائل التي استعملها هذا البلد لأنه أقرب للاقتصاد الوطني"، ملحًا: "اقتصادنا لا يشبه الاقتصاد الفرنسي، بل الاقتصاد الإيطالي المبني على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وهو اليوم قوة اقتصادية".
* الجزائر لن تستدين مجددًا
جدّد رئيس الجمهورية رفض الجزائر اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، معتبرًا هذا الخيار "انتحارًا سياسيًا"،كما استغرب توصيات صندوق النقد الدولي الداعية لتأجيل تطبيق الاصلاحات الهيكلية، مؤكّدًا أنّ الدولة الجزائرية ماضية في تنفيذ هذه الاصلاحات بكل سيادة، في المقابل، رحّب تبون بتقارير البنك العالمي التي أثنت على "قدرة تحمل الاقتصاد الجزائري في محيط غير مستقر".
وتوقّع رئيس الجمهورية أن يسجّل الاقتصاد الجزائري نسبة نمو تناهز 4 بالمائة، متجاوزًا توقعات البنك العالمي (2.6 بالمائة)، وأضاف: "بنهاية السنة الجارية، ستتمكن عائدات الجزائر من تغطية كافة مشترياتها من الخارج دون المساس باحتياطيات الصرف". وأوضح رئيس الجمهورية: "إذا لم نسجل وضعية استثنائية، سنحقق التوازن المالي مع نهاية 2021 دون المساس باحتياطي الصرف الذي يقدر حاليًا بـ 44 مليار دولار بعدما كان مع نهاية السنة الماضية يناهز 57 مليار دولار".
وأشار الرئيس إلى ما حققه الاقتصاد الوطني من نتائج خلال السنة الجارية، إذ يتوقع أن تصل صادرات البلاد خارج المحروقات إلى 4.5 مليارات دولار، وهو الرقم الذي يسجّل لأول مرة منذ 25 سنة"، كما أبرز دور السياسة الإستراد ،المطبقة بصفة هيكلية ، في تحقيق توازن الميزان التجاري للبلاد،الأمرالذي سمح بخفض فاتورة الواردات إلى حوالي 32 مليار دولار بعدما كانت تناهز 60 مليار دولار.
* المطالب لا تتحقق "بخلق البلبلة والضغط على الدولة"
وجّه الرئيس نداءً إلى النقابات العمالية من أجل "العمل سويًا لبناء الجزائر بعيدًا عن كل أشكال التفرقة"، مؤكدًا أنه "لا داعي لخلق البلبلة من أجل تجسيد المطالب، والضغط على الدولة لن يفيد".
وأضاف الرئيس: "أسديت تعليمات لكل القطاعات من أجل مراجعة القوانين الأساسية ومراجعة الأجور وهذا أمر يتطلب بعضًا من الوقت"، مبرزًا أنّ الهدف الأسمى هو "تنمية البلد وخدمة المواطن وتحقيق التطور الذي ينشده كل جزائري".
* لا مجال لأي قواعد عسكرية أجنبية
أكد رئيس الجمهورية أنّ الجزائر لن تمكّن أي دولة من إقامة قواعد عسكرية لها على التراب الوطني، "كائنًة من كانت تلك الدول"، وقال الرئيس إنّ "أرضنا مقدسة واحترامًا لشهدائنا، لن تكون هناك أي قواعد أجنبية عسكرية بها"، وتابع: "سياسة الجزائر في هذا الخصوص، معروفة وواضحة وشفافة والكل يدركها جيدًا"، وهي "سياسة نابعة من مبادئ صلبة وثابتة".
أما عن مشاركة الجيش الوطني الشعبي في عمليات عسكرية خارج الوطن، قال رئيس الجمهورية إنّ "سياستنا ونظرتنا في هذا الخصوص هي ألا ندخل المستنقعات، فنحن لا نملك لفيفًا بل جيشًا شعبيًا، ولن نضحي بأفراده مقابل المال، كما يفعل المرتزقة، ولأي عملية مماثلة نحتاج موافقة أفراد جيشنا وموافقة ممثليه عبر المجلس الشعبي الوطني".
* "من يهدد أمن تونس سيجد الجزائر بالمرصاد"
وفي سياق آخر ،أكّد رئيس الجمهورية أنّ ما يمس تونس يمس الجزائر، وأنّ من تسول له نفسه المساس بأمن تونس "سيجد الجزائر بالمرصاد، مشدّدًا على أنّ "الجزائر لا تقبل الضغط على تونس من قبل أطراف خارجية"، وأضاف: "نحن نساند تونس للخروج من النفق، فحينما طلبت مساعدة الجزائر أيام جائحة كورونا، كنا حاضرين ولازلنا إلى يومنا هذا".
واستطرد الرئيس: "يبدو أنّ الأمور دستورية عندهم، ونشهد للرئيس قيس سعيد أنه انسان مثقف وديمقراطي ووطني إلى النخاع، ولا يمكن أن نحكم عليه بشيء آخر"، قبل أن يضيف: "وأهل مكة أدرى بشعابها".
هذا ونفى الرئيس طلب رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، اللجوء السياسي إلى الجزائر، ولفت إلى أنه "كان مقرّرًا أن يزور الجزائر، ويُستقبل من قبل مسؤولي المجلس الشعبي الوطني ".
وبشأن موعد زيارته لتونس، أكّد الرئيس أنه يعتزم زيارتها بمجرد تشكيل الحكومة التونسية الجديدة، حيث سيقوم بزيارة الجارة الشرقية رفقة وفد وزاري هام يتم خلالها التوقيع على كافة الاتفاقيات المجمدة بين الدولتين، قبل أن يؤكد أن "تونس جار مثالي بالنسبة للجزائر، مثلما هي الجزائر بالنسبة لتونس".