فتحت دولة مالي، أمس السبت، صفحة جديدة في تاريخها بتوقيع تنسيقية حركة الأزواد، على اتفاق السلم و المصالحة بباماكو، حيث من المتنظر أن يحدد هذا الإتفاق الخطوط العريضة لمستقبل البلاد بعد مرحلة صعبة دامت حوالي أربع سنوات مست بالأمن و الاستقرار في شمال البلاد و منطقة الساحل.
وكان الرئيس المالي ابراهيم بوبكر كايتا قد طلب المساعدة من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في شهر جانفي2014 والتدخل لإنهاء العنف الذي تعيشه دولته.
وبذلك انطلقت مفاوضات السلام بمباشرة الجولات التمهيدية لتقريب الرؤى بين حركات الأزواد وتوفير شروط نجاح الحوار المالي الشامل المنشود، حيث توجت بالتوقيع على اتفاق السلم و المصالحة في 15 ماي الماضي من طرف الحكومة المالية والحركات السياسية العسكرية في شمال مالي و فريق الوساطة الدولية بقيادة الجزائر ليليه بعد ذلك التوقيع على الإتفاق من طرف تنسيقية حركة الأزواد يوم أمس السبت.
مسار مفاوضات السلم و المصالحة بالجزائر
ولأن الحل السلمي للأزمة المالية أصبح حقيقة مع نهاية سنة 2014، وذلك بفضل الجهود الجبارة التي بذلت على أكثر من مستوى لرأب الصدع الذي عاشته مالي منذ مارس 2012 وما تلاه من أزمة متعددة الأبعاد والجوانب.
ومنذ شهر جانفي من السنة الفارطة، باشرت الجزائر سلسلة لقاءات تمهيدية هادفة إلى توفير الشروط الكفيلة بإطلاق حوار شامل بين الماليين، وكانت ثمرة هذه الجهود التوقيع على "إعلان الجزائر في9 جوان 2014 وأرضية التفاهم المبدئية للحوار في 14جوان 2014 والذان شكلا اساسا لمسار التفاوض.
وعلى إثر إبرام هاتين الوثيقتين، تم تشكيل كتلتين على مستوى الحركات أولاهما "تنسيقية الحركات الموقعة على إعلان الجزائر" وتضم كلا من الحركة الوطنية لتحرير الأزواد و المجلس الأعلى لتوحيد الأزواد و الحركة العربية للأزواد ، وثانيهما "الحركات الموقعة على أرضية التفاهم المبدئية" وتشمل التنسيقية من أجل شعب الأزواد و تنسيقية الحركات والجبهات القومية للمقاومة والحركة العربية للأزواد (المنشقة).
وبناءا على ذلك تم عقد أول جولة للحوار المباشر بين الفرقاء الماليين بالجزائر من 17 إلى 24 جويلية ، توجت بتوقيع الحركات السياسية المسلحة الست المعنية بالأزمة على وثيقتين تتضمنان "ورقة الطريق للمفاوضات في إطار مسار الجزائر" و"إعلان وقف الاقتتال" قصد تهيئة الشروط الضرورية لحل شامل ومتفق عليه لمشاكل مناطق شمال مالي.
وتخللت هذه الجولة الأولى التي وصفت بالخطوة العملاقة نحو السلم بوادر حسن نية من قبل الطرفين الأساسين في الحوار، حيث تبادلت الحكومة والحركات الست عشرات الأسرى في أول عملية من هذا النوع منذ بدء الأزمة.
وبين مطالب تراوحت بين الرغبة في الإنفصال التام عن باماكو وبين إشراك في دواليب الحكم و التسيير وتحقيق للتنمية في مناطق الشمال ، تمايزت مواقف الأطراف المنخرطة في الحوار واختلفت أولوياتهم بين مهتم بالشق الأمني للأزمة ومرافع من أجل الحقوق السياسية والتنموية لسكان الشمال.
وبغية أن تعالج هذه المفاوضات كل القضايا الخلافية بما فيها الأمنية و السياسية و التنموية والثقافية ، عمدت الوساطة منذ الجولة الثانية (1 سبتمبر2014) إلى تشكيل أربع لجان تقنية تختص الأولى في القضايا السياسية والمؤسساتية والثانية بالمسائل الأمنية ولجنة ثالثة للعدالة ، ورابعة للتنمية والقضايا الاجتماعية.
وقد أفضت هذه الهيكلة المبتكرة لآلية الحوار التي سميت بمرحلة "المفاوضات الجوهرية" إلى تعميق النظر في كل القضايا الخلافية ، والوقوف على إنشغالات كل طرف على نفس القدر من الأهمية وهو ما مكن فريق الوساطة من "توسيع دائرة التوافق بشأنالعديد من المسائل و حصر أوجه الخلاف في نقاط لا تتجاوز الأربع أو الخمس".
وتميز هذا المسار خلال جولاته الأربع (جويلية-سبتمبر-أكتوبر-نوفمبر) بثبات كل الأطراف على نهج الحوار لحل الأزمة على الرغم من محاولات التشويش التي حدثت من حين لآخر ، من خلال إستهداف القوات الأممية في مالي.
إشادة بدورالدبلوماسية الجزائرية المحوري وجهودها الحثيثة لحل الأزمة المالية
تجمع عديد الدول و الهيئات الدولية على الدور المحوري الذي لعبته الدبلوماسية الجزائرية لحل الأزمة المالية و تحقيقها للهدف المنشود و هو التوصل إلى اتفاق بين جميع الأطراف.
و قد أكد رئيس بعثة منظمة الأمم المتحدة إلى مالي بارت كويندرس أن الجزائر قامت بوساطتها بين الحكومة المالية و حركات شمال مالي قصد التوصل إلى السلم و الاستقرار في هذا البلد ، "بنجاح باهر".
وقال كويندرس عقب مراسم توقيع الحكومة المالية و الحركات الجماعات المسلحة لشمال مالي على خارطة الطريق للمفاوضات- 24 جويلية 2014- في إطار مسار الجزائر "أن الجزائر حققت نجاحا باهرا في الوساطة الدولية بين الحكومة المالية و حركات شمال مالي من اجل تحقيق السلم في هذا البلد"..
كما رحب الماليون من جهتهم بجهود الجزائر في مجال مساندة الشعوب ، حيث عبر وزير الخارجية المالي عبد اللاي ديوب عن شكره لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة والحكومة والشعب الجزائريين عن التضحيات والجهود المبذولة في سبيل تمكين مالي من التوقيع على اتفاق السلام والمصالحة.
وفي إنتظار تجسيد بنود الإتفاق تبقى آمال جميع الماليين معلقة للعيش في كنف وطن يضم الجميع دونما إقصاء أو تهميش أو جهوية.
المصدر: موقع الإذاعة الجزائرية/ ليليا مجاوي