أصدر الحكواتي المتجول صديق ماحي مؤلف جديد بعنوان "مولى مولى وحكايات أخرى (حكايات جزائرية)" يروي فيه بأسلوب مشوق وجميل على طريقة القوّال أو الحكواتي قصص مستوحاة من الموروث الجزائري الأصيل.
وسيكتشف القارئ أنّ هذه الحكايات الأسطورية، الصادرة عن دار القدس العربي، منحها كاتبها قدرة على التواصل مع الواقع الحالي بفضل قوة الرمزية والايحاءات التي اراد بها الكاتب توصيل رسائله والتعبير عن الكثر من المسائل التي تهم الشباب.
فهذا الكتاب الذي قدمت حكاياته باللغتين العربية والفرنسية يقع في 90 صفحة حافظ في أسلوبه اللغوي وتركيبته على روح الإلقاء لدى الحكواتي في سرده وايضا ابقائه على مقدمة وخاتمة القصة التي تتكرر في كل حكاية.
كما اختار المؤلف صديق ماحي المتشبع بعوالم وروح القوال والواعي بمكانة هذا الفن في المجتمع الجزائري لاسيما في المدن الداخلية وفي الجنوب لغة مهذبة ومشوقة لجلب القارئ الذي ينساق من الوهلة الأولى وراء الراوي ويحلق معه مرات ويغوص معه ايضا في مياه البحر المهولة بحسب مكان وزمن الحكاية.
ويكتشف القارئ في هذه الحكايات المشبعة بالخيال والأساطير العجيبة الكثير عن التراث الشفوي وبلاغة القوالين الذين كان لهم دور كبير في تثقيف وتربية الأجيال وايضا الترفيه عن الناس.
وشمل المؤلف ثلاث حكايات مستلهمة من التراث الشعبي وتحمل الكثير من الرمزية والإيحاءات للتعبير عن كثير من المواقف والمسائل التي يعيشها المجتمع الحالي.
وقد عاد الكاتب في الحكاية الاولى الموسومة ب "مولى مولى" الى الأزمنة الغابرة والى قصة ملكة التوارق "لالا تين هينان" كما سماها.
وفي هذه القصة ايضا كباقي قصصه حضور جوهري للطائر او"الطير" في إشارة قوية للحرية التي هي اساس وجود الإنسان الامازيغي. ويبرز الكاتب فيها مكانة المرأة وحكمتها وايضا التضامن والتآزر في المجتمع الترقي. وقد قام الكاتب بجمع اجزاء هذه القصة اثناء عمله كحكواتي في منطقة الأهقار.
ويأخذ المؤلف في الحكاية الثانية "الطير منقاره أخضر" القارئ الى علم الأساطير الغريبة ووجود الحيوانات والطيور العجيبة التي قد تكون خطرا على حياة الإنسان في عالم الغاب. لكنها أيضا يمكن ان يجد فيها الانسان ضالته عند الحاجة.
وتتميز هذه الحكاية بكثير من الرمزية وإشارات قوية تضيء الطريق امام متصفح الكتاب لتلقي الرسالة وفك رموزها.
في الحكاية الثالثة التي عنونها بـ "النورس" هذا الطائر الذي له مكانة كبيرة لدى الادباء والشعراء اذ يرمز للترحال والشوق وايضا للوحدة.
وهذه الصفة الاخيرة تنطبق على القصة الأخيرة التي اخذ فيها صديق ماحي المتلقي إلى البحر وأمواجه ومخاطره من خلال حكاية اخوين من أسرة غنية.
لكن عند وفاة الوالد يستولي الاخ الاكبر على كل الميراث ويدفع بأخيه الى تحدي اهوال البحر والمغامرة بحثا عن لقمة العيش ونجد هنا اشارة قوية الى عالم الحراقة الذين غالبا ما تكون نهايتهم مأسوية.
تؤكد هذه الحكايات تأثر الكاتب بوالدته التي كانت مصدر الهامه الاول وايضا دور الحكواتي او القوال في تنمية موهبة الفنان في السرد وايضا حركاته التي اكتسبها خاصة من تجربته في المسرح والتي نستشفها ايضا عبر السطور في سرده لمغامرات شخوصه الاسطورية. كما اعطى الكاتب لهذه الحكايات قوة للتأقلم واختيار نهايات غير مألوفة وأحيانا عجيبة كما في عالم الاساطير.
يذكر أنّ صديق ماحي واسمه الحقيقي مسلم صديق من مواليد سيدي بلعباس في 1960 له تجربة في المسرح. وقام بترجمة عدة أعمال منها قصص لمولود معمري، كما نشّط عدة ورشات تكوينية في الجزائر وفي الخليج العربي ووتونس وفرنسا وغيرها، وأنتج ماحس برامج اذاعية واستغل عدة فضاءات للتعبير وايصال ابداعاته للمتلقين.