تعتبر منطقة توات بولاية ادرار من أقدم الواحات على المستوى الوطني والتي اشتهرت بالزراعة وأنظمة السقي التقليدي حيث ضمنت الفقارة استمرارية الحياة باعتبارها تقنية إبداعية مبهرة في استغلال الإنسان للماء وفق نمط دقيق ومذهل وتشير الدراسات التاريخية إلى أن أصل تسمية الفقارة من "التفجير " بمعنى فجر الماء فيما تذهب أراء أخرى إلى أنها من "فقرة" وهي فقرات الظهر لكون سلسلة آبار الفقاقير تشبه العمود الفقري في حركيتها الأنسابية ونقل الماء من الأعلى إلى الأسفل
وقد ساهمت الفقارات على مر الزمن في استقرار ساكنة الصحراء الكبرى في الجزائر ، ويرجع القاضي سيدي محمد بن عبد الكريم البكراوي نشأة الفقارة للقبائل الزناتية الامازيغية التي استوطنت المنطقة في القرن الرابع هجري. وكانت فقارة أسمها "هنو،ّ هي الأولى بقصر تمنطيط ، ويحيل البعض الى ان تكون القبائل الزناتية هي المسؤولة عن تطورها لأن بعض الفقارات تحمل مسميات :زناتية ، كأرمول ، مزز، تكرزيت ، التغجم .
تعرف منطقة توات تشكلت كحاضرة وحاضنة اجتماعية حول النخلة والفقارة ، وقد كانت هذه الأخيرة محورية في الحياة وبفضلها تطور استخدام الرياضيات في الميراث والملكية والتعاون الاجتماعي عن طريق "تويزة"
ويحدد البرفيسور احمد جعفري أستاذ التعليم العالي بجامعة أدرار أدوراها الاجتماعية في نقاط اساسية اهمها انها اهم عامل استقرار في الصحراء الكبرى حيث كان الصحراويون بفكرون في امتلاك حصصهم من الماء قبل الحصول على ملكيتهم من الارض لاهمية الماء في تلك المناطق .
كما يجسد نظام الفقارة مبدا التعاون الاجتماعي والتضامن بين الشركاء ، ويتجسد ذلك في التعاون اثناء عمليات الحفر او الصيانة التي يشارك فيها الجميع في عملية تعرف بالتويزة وهي اجبارية على الجميع ، بالاضافة الى هذا يحافظ الشخص على حقوقه من المياه تبعا لادائه لواجباته ولقدرته على العمل الزراعي وفقا لمعاير حسابية دقيقة تحقق مبدا المساواة والعدل .
ويشير الاستاذ مولاي عبد الله سماعيلي في دراساته حول الفقارة ،انها تأخذ شكل منحدر باتجاه الواحات ، وعند اقتراب المياه تمر بآبار قريبة من السطح تدعى أغوسرو ومنها يتدفق الماء ليصل إلى القسري ، وعلى حافته توجد العيون وهي الوحدات المستعملة لصرف المياه من القسري باتجاه البساتين، بعدما يحدد نصيب كل عين بدقة متناهية من طرف" الكيال" وهو الخبير بأسرار وحسابات مياه الفقارة ، والقياس يكون باستخدام الحلافة وحدة القياس هي الحبة وتكون مجزأة إلى أربعة وعشرون قيراط والقيراط إلى أربعة وعشرون قيراط من القيراط وبعد الانتهاء من توزيع حصص المياه تحفظ الحسابات في الزمام، وهو السجل الخاص بتقييد عمليات التوزيع والكيل.
ويشرح الباحث محمد بابا حيدة في رسالة دكتوراه حول الفقارة كيفية احتساب توزيع مياه الفقاقير فبعد خروج الفقارة من الآبار وسيلانها فوق الأرض يشترك في مياهها جميع أهل القرية ، ويوزع الماء على حساب الملكية من القلب المعروف بالقسرية وهي من حجارة ،و آلة الكيل التي تسمى الشقفة أو الحلافة تصنع من النحاس مدورة ، وقد تكون مستقيمة وهي ذات ثقوب ونوافذ وتعتبر كل ثقبة كبيرة حبة والثقبة الصغيرة قيراط أو أكثر . وأجزاء الفقارة تسمى بالحبة أو الماجن والحبة فيها 24 قيراط
ويحصي الباحث مولاي اسماعيلي عبد الله اسماء استعملتها قبائل زناتة توات الفقارات وفروعها ليشكلوا بها رصيدا ثقافيا هاما بمنطقة توات الكبرى زمن بين ابرز التسميات الاماويغية التي لا زاتلات تطلق على الفقارات مايلي :
امزر: وهي المكان الذي يقفز فيه الماء من الاعلى الى الاسفل في الفقارة.
ادفر : هي حاسي تستعمل هذه التقنية للتغلب على الحجارة الصماء وقت الحفر.
الماجن : حاسي تلد فيه الفقارة كثرة الماء فتتسع ويصبح كالحوض أي عبارة عن خزان كبير.والماجن كذلك حوض جمع الماء بالبستان المعروف بالجنان
لكراع : عدة آبار تخرج من الفقارة في جهة من الجهات لزيادة الماء .
آنفاد :نفق تجري به المياه تحت الأرض يصل البئر بالبئر.
امسرح : انفاد اطول من العادة.
انفيف : جدار يبنى داخل الفقارة لسد الماء من السيلان ساعة العمل
القمون :مساحة صغيرة للحرث.
المطرق : مساحة اكبر للزراعة .
ابادو : ساقية الماء في البساتين.
انفيق : فواهة انسداد الماء داخل الماجن
الوقّاف : وهو المكلف المباشر عن العمل وجاءت تسميته من وقوفه المستمر على العمال .
القطّاع : الذي يحفر ويقطع الصلب من الحجارة أثناء عملية الحفر .
الجبّاد : الذي يتولى عملية جذب التراب من العامل الأول .
الزمّام :الذي يقوم بكتابة وتدوين زمام الفقارة
ونظرا للتهديدات التي اصبحت تحيط بالفقارات شهدت خلال السنوات الأخيرة اهتماما رسميا بدعم الفقارة من خلال برامج الترميم والصيانة فضلا عن تنظيم سلسلة ملتقيات وطنية ودولية حول هذا الموروث الحضاري الاقتصادي الذي لا يتطلب اعباء متراكمة ويساهم في اقتصاد المياه وتسييرها كما يجب ، حيث تم انشاء مرصد وطني يتولى مهمة البحث العلمي بأدرار من أجل العمل على الحفاظ على هذا النظام الفقارة من النضوب والتي تؤدي الى ارتفاع نسب الهجرة من عدة مناطق في توات وقورارة وتديكلت الى المنطق الحضرية .
تبقى الفقارة بمنطقة توات شاهدا على إبداع الإنسان الصحراوي في تكييف الجغرافيا وفق طمو حاته واستقراره فضلا عن كونها تقنية تحتاج إلى تصنيف ضمن روائع التراث المادي العالمي ، وتعتبر ادرار الوارث الحقيقي لهذه الانظمة التي تعكس الإبداع الإنساني في الحصول على وموارد مائية باطنية وسمحت باستمرار الفلاحة الواحاتية لمئات السنين .
المصدر : لحسن حرمة / اذاعة ادرار