يرصد الشاعر والكاتب العراقي عبدالمنعم الأمير في روايته فاربا حقبة موصلية مثخنة بأوجاع الانسان، تحت سيطرة أمراء الحرب الذين يبيعون الله والانسان في أسواق النخاسة، كما تؤرخ لدمار مدينة الموصل وامِّحاء معالمها الأثرية الممتدة عبر ألاف القرون على يد الدواعش، مقتنصا روح الإنسان والمكان المنتهكين في جنس أدبي أقرب ما يكون إلى السيرة الذاتية للشاعر ذاته.
ويُصدِّر عبدالمنعم الأمير روايتَه "فارابا" بمقولة لخوسيه ثيلا "الذين يؤمنون إيمانا أعمى خطرون جدا، وأخطر منهم من لا يؤمن ولكنه يتظاهر بالإيمان" مشيرا منذ عتبة التصدير إلى الحركات الدينية التي تقوم على الإيمان بادعاء الحقيقة المطلقة وتكفر بالوطن، مصورا الأحداث التي عصفت بمدينة الموصل العريقة.
وقد اشتق الكاتب اسم "فارابا" من فاراب وهي المدينة اليوتوبية للفارابي محاولا معارضتها بــ«دستوبيا» أي مدينة غير فاضلة إطلاقاً، مؤكدا في أحد تصريحاته أنه حاول يطرح من خلال ذلك النقيض الموضوعي.
وتطالعنا في رواية الأمير صور عبثية لرؤوس مقطوعة وأطفال يجلدون من اجل السجائر، وكلاب تتشمَّم أكفَّ الناس بشبهة تدخين عقب سيجارة"كان هناك ثمة كلب بوليسي يتشمم أكف الناس بحثا عن خيط مازال عالقا في اكف احدهم من التدخين" ليضيف "هل أصبحت رؤية الأجساد المقطوعة الرؤوس مشهدا عاديا لا يثير فضول أو شفقة احد؟ أم أن المدينة كلها صارت أجسادا بلا رؤوس".
ولم تغفل هذه الرواية التأريخ للدمار الذي حل بالمدينة بعد تحصن الدواعش بها وقصفها من قبل الامريكيين مضيفا :"حتى إذا تهدم بيت تداعت له بيوت عدة حزنا وكمدا صارت تشي ببعضها وربما لأنها تريد أن تحافظ على ذاتها، مسافة أطولَ من الزمن بعيدا عن الموت القادم لا محالة، وهي تجهل أن انتظار الموت اقسي من الموت ذاته.
كما يروي الأمير مأساة حرق المكتبة العامة في المدينة "من مكان بعيد حيث المكتبة العامة في المدينة، فوهة تنفث رفات الفلاسفة والشعراء والأدباء والعلماء المحروقة في الهواء، فتمطرها السماء دمعا اسود يبلل كل شيء ويزيده عتمة"
ولم تخل الرواية من سخرية سوداء تشي بعمق المأساة حين يستبل الشاعر مقدمة بن خلدون بحذاء رثّ"رأيت مقدمة بن خلدون في التاريخ،مجلدا جميلا ربما يفي بالغرض، فجررت ابن خلدون من ياقته لابدله بحذاء" منشدا "كل تاريخك أمسى لي أنا وحدي حذاء".
ويستعين الأمير في رواية بشخصية ابن الأثير في هيأة شيخ طاعن في الرثاثة والوجع، ليؤكد اقامة الأموات في حياة الأحياء قائلا "هكذا نحن إما أن نعيش في التاريخ أو نعيد حروبه ومجازره وخيباته ذاتها" ليصرخ مستهجنا أن هذا" الواقع الكابوسي الذي لو قدر لكافكا رؤيته لعد كوابيسه محض "
وقد صدرت رواية فارابا لعبد المنعم الأمير عن دار الغيداء بالأردن، في 159 صفحة من الحجم المتوسط،عام 2017.
المصدر: موقع الإذاعة الجزائرية/ناصر باكرية