من منا لم تشغله المشاوير والمواعيد عن أداء ما عليه من أعباء تجاه شركة الكهرباء أو الهاتف؟ ألم يعد مرهقا الانتظار في طوابير طويلة أمام شبابيك التخليص؟ ألم تصطدم يوما بطلب عامل الصندوق لمبلغ الفاتورة بالسنتيم بذريعة أنه لا يملك فكة أو ورقة نقدية لإتمام المعاملة؟.
فكثير من الجزائريين اليوم، أصبحوا لا يطرحون هذه الأسئلة لأنهم يعتمدون الدفع الإلكتروني كنمط جديد من الصيرفة يعتمد التكنولوجيا، ولا يستلزم التعاملات النقدية، لأن كل ما يتطلبه بطاقة الكترونية ودقائق لإتمام ذلك من أي مكان وفي أي وقت.
وقد أصبح ذلك ممكنا في الجزائر بفضل جهود مؤسسة بريد الجزائر، من أجل كسب رهان رقمنة المعاملات المالية، وبات اليوم بإمكان زبائنها أو حتى غير المنتسبين إليها، الاستفادة من خدمات آنية تتعلق بالدفع عن طريق الانترنيت أو خدمات الدفع الجواري في مسعى للتخلي عن التعامل بالنقود أو ما يصطلح عليه بـ"No Cash" رغم ما يشوب هذه الطموحات من تعثر.
بمقر المديرية العامة لمؤسسة بريد الجزائر في حي باب الزوار شرقي العاصمة، التقينا كفاءات أثبتت قدرتها على مواكبة آخر مستجدات الرقمنة وتسهيل وصولها إلى جميع الزبائن، للاستفادة من مزاياها التي لا يزال الكثير منها غير معروف لدى الجزائريين، ولعل معرفتها قد تحدث نقلة في العادات الاستهلاكية، وتعطي جرعة هامة من التطور في الاقتصاد الوطني وفق ما صرح به حاج أحمد بن يوب مدير مركزي بالمؤسسة.
الدفع الالكتروني بالأرقام..
ويكشف بن يوب بالأرقام عن عمليات الدفع الالكتروني مؤكدا أنها عرفت تطورا ملحوظا في الآونة الأخيرة وإقبالا لافتا لزبائن بريد الجزائر ففي سنة 2020 خصوصا في ظل جائحة كورونا وظروف الحجر الصحي الذي فرضت شروطها على الجميع وجد المواطن نفسه مضطرا للعمل بهذه الخدمات الذي اكتشف أيضا جديتها ونجاعتها. فخلال سنة 2019 بلغ المعدل الشهري لعمليات الدفع الالكتروني لبريد الجزائر 51 ألف عملية شهريا، أما في 2020 ومنذ شهر مارس تحديدا إلى غاية أيامنا هذه، بلغ المعدل الشهري 317 ألف عملية وبالتالي تضاعف العدد 6 مرات وهو مؤشر ايجابي شجع الزبون الجزائري على الإقبال المتزايد.
أما المبالغ التي تم تحويلها من خلال عمليات الدفع الالكتروني فقد بلغت 2 مليار دينار في 2019، بينما بلغت مبالغ العمليات المحولة 6.6 مليار دينار خلال الـ8 أشهر الأولى لسنة 2020، وهو تطور مشهود لخدمات الدفع الالكتروني، وبخصوص مجموع العمليات المسجلة خلال الدفع الالكتروني في ظرف ثمانية أشهر الأولى لسنة 2020 فقد بلغت 2.4 مليون عملية، منها 2 مليون عملية في المنصة النقدية لبريد الجزائر أي بمعدل 86 بالمائة من مجموع المعاملات المسجلة.
البطاقة الذهبية ..اقتصاد للجهد والوقت
تتيح البطاقة الذهبية صنفين من التعاملات فأما الصنف الأول من الدفع والذي يتم عن طريق الإنترنيت، فيؤكد عمر تواتي - مدير الدراسات بمديرية قسم النقدية والخدمات المالية البريدية- أنه يتم من خلال المواقع الالكترونية التابعة للمؤسسات التجارية، وقد عرفت هذه الطريقة من الدفع رواجا في الآونة الأخيرة بسبب القيود التي فرضتها جائحة كورونا على تنقل الأفراد، مضيفا أنه بإمكان زبائن المؤسسة القيام بعدة عمليات من البيت في أي وقت، كدفع فواتير الكهرباء والماء، وشحن أرصدة الهاتف، واقتناء تذاكر السفر، وتجديد عقود التأمين، وخدمات عديدة أخرى.
أما الصنف الثاني من الدفع حسب تواتي، فهو الدفع الجواري الذي يمنح للزبون عدة خيارات باستخدام البطاقة الذهبية، فيمكنه الدفع عن طريق نهائيات الدفع الإلكتروني الموصولة بمنصة رقمية لبريد الجزائر، وهي مؤمنة بشكل جيد، وتستجيب للمعايير الدولية، تمكن المستهلك من دفع ثمن مقتنياته، كما تمكنه في حال ألغى عملية الشراء استرداد نقوده، وهي تقنية تسعى مؤسسة بريد الجزائر لتعميمها مجانا على التجار قبل نهاية السنة.
من بين خدمات الدفع الجواري أيضا الدفع عن طريق رمز الاستجابة السريعة "Qual Code" عبر تطبيق تم إعداده لهذا الغرض، وهي خدمة جوارية جديدة بدون تلامس، إذ يتم مسح رمز الاستجابة السريعة من هاتف المستهلك لإتمام عمليات الشراء وتتبع آليا بإرسال رسالة نصية قصيرة تؤكد عملية الدفع، وتعد الجزائر رائدة في هذه التقنية وفق ما أوضحه المتحدث ذاته.
خدمة الشبابيك الآلية للمؤسسة "Gab" هي الأخرى من بين الخدمات الجوارية، التي يستطيع الزبون من خلالها شحن أرصدة الهواتف النقالة للمتعاملين الثلاث، إضافة إلى عملية السحب والتحويل من حساب إلى حساب وميزة السحب بدون بطاقة، وهي خدمة جديدة مازالت غير معروفة لدى الجزائريين، وتتيح تحويل وسحب النقود من الصراف الآلي أو من شبابيك البريد، عبر تفعيل الخدمة بواسطة تطبيق " BaridiMob".
تعميم الدفع الإلكتروني بين الواقع والمأمول
التقينا السيدة خديجة رفقة أولادها بإحدى المساحات التجارية الكبرى وهي مستهلكة إلكترونية لا تستعمل النقود الورقية منذ أن استفادت من البطاقة الذهبية، ترى أن عملية الدفع بواسطتها آمنة واستعمالها سهل ويوفر عليها الكثير من الجهد كما يكسبها الوقت.
كما تستوقفنا تجربة الموقع الالكتروني "طلبة ستور" الذي أسسه سامي عليوش، ضمن المؤسسات الناشئة "Startup" التي أدرجت خدمة الدفع الإلكتروني ضمن منصتها الرقمية بمرافقة من بريد الجزائر، وتعد تجربة رائدة حيث أضحى موقعَ تسوّقٍ يستقطب الكثير من المستهلكين الإلكترونيين الذين يقتنون المشتريات عبر الموقع مباشرة، على أن تصل الطلبيات إلى منازلهم عبر 48 ولاية، وقد حققت هذه الشركة نجاحا بفضل الدفع الإلكتروني وتمكنت من احتلال مكانة هامة في السوق الافتراضية الجزائرية، وعلى الرغم من نجاح هذه التجربة إلا أن تعميمها أصبح مطلبا ملحا.
حيث اشتكت "أميرة. ب" صاحبة صيدلية بباب الزوار من عدم توفر أجهزة الدفع الالكتروني، مؤكدة أنها قدمت طلبا وهي في انتظار الحصول عليه، مضيفة أن الدفع الالكتروني عرف رواجا غير مسبوق، لا سيما بعد انتهاء دوام مكاتب البريد أو في حال عدم توفرها على السيولة، وأضافت قائلة بأنها عازمة على تنصيب جهاز "نهائي الدفع" متى توفر لها ذلك، فيما تؤكد "حنان.ن" مسيرة أحد المحلات بالمركز التجاري باب الزوار، أن جل عمليات الشراء التي تتم على مستوى المحل الذي تسيره تتم إلكترونيا، وقد ترك ذلك انطباعا جيدا لدى زبائنها.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة وما تحقق لحد الآن في مجال الدفع الالكتروني إلا أن واقعه مازال بعيدا عن المأمول، وهو ما جعل الجهات المخولة في الجزائر تضع نصب عينيها مسعى لتطوير خدماتها المصرفية الالكترونية بمعايير دولية، لتشجيع الزبائن على الانخراط في منظومتها المالية وجعلها ملاذا آمنا يستقطب الأموال لضخها في ماكينة الاقتصاد الوطني، لتحقيق مآلات الرقمنة المنشودة.
المصدر : ملتيميديا الإذاعة الجزائرية - كمال علوي