خيانة المخزن للثورة الجزائرية: الحسن الثاني وراء أول عملية قرصنة مدنية في تاريخ الطيران في العالم

يحفل تاريخ المخزن السياسي بكم هائل من الدسائس والمؤامرات بحق الجزائر سواء بعد الاستقلال أو ابان ثورة التحرير ضد المستعمر الفرنسي ولعل اختطاف طائرة قادة الثورة في 1956 هو أحد المكائد التي جعلت منها أول عملية قرصنة مدنية في تاريخ الطيران في العالم.

ففي عز الثورة الجزائرية التي كانت قد دخلت عامها الثاني ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم، كان جيش الاحتلال و إلى جانبه الأجهزة الاستخباراتية الفرنسية ، يحاولون و يجتهدون في اجهاض و قبر  الثورة ، وقد كان القادة السياسيون و زعماء الثورة بالخارج على رأس المستهدفين من طرف المُستعمر.

ففي نهاية سبتمبر 1956، وبعد عدة اتصالات وُجّهت الدعوة لجبهة التحرير الوطني للمشاركة في الندوة المغاربية المقرّر عقدها في تونس يوم 22 أكتوبر 1956 للتنسيق حول النضال المشترك ضد الاستعمار الفرنسي وتأكيد البعد المغاربي للثورة الجزائرية.

حيثيات عملية الاختطاف

في الساعة الرّابعة من مساء يوم 22 أكتوبر 1956، اعترضت طائرات فرنسية حربية، طائرة "دي سي 3" التابعة لشركة الأطلس المغربية للطيران، تلقى قائدها أمرا بالهبوط في الجزائر العاصمة، لم يكن الطاقم الفرنسي للطائرة المغربية على علم بهوية الركاب، وهم "أحمد بن بلة، حسين آيت أحمد، محمد بوضياف، محمد خيذر، ومصطفى الأشرف"، لكن إضافة إلى هؤلاء كان على متن الطائرة فريقا من الصحفيين الفرنسيين الذين كانوا متجهين لتغطية القمة المغاربية في تونس، كما كان على متنها، مريض مغربي تم نقله للعلاج في تونس".

غيّرت الطائرة مسارها لأسباب أمنية إلى جزر "الباليارو" شرق إسبانيا، إلا أن الاستخبارات الفرنسية كانت على علم بمسار الطائرة، وتقرر اختطاف الطائرة بموافقة القادة العسكريين الفرنسيين في الجزائر وفرنسا.

حوّل قادة عملية الاختطاف الزعماء الخمسة إلى مقر جهاز الاستخبارات في أعالي العاصمة الجزائرية، وسط إجراءات أمنية عسكرية مشدّدة للتحقيق، قبل تحويلهم إلى السجن في فرنسا، ولم يطلق سراحهم إلا بعد إقرار وقف إطلاق النار في مارس 1962.

خلال شهادته بأحد البرامج التلفزيونية حمّل الصحفي المصري محمد حسنين هيكل، الملك المغربي الراحل، الحسن الثاني، قسطا كبيرا من مسؤولية خطف قادة الثورة الجزائرية في سنة 1956، من طرف الجيش الفرنسي.

وذكر هيكل في الحلقة الأخيرة من حصة "مع هيكل"، التي كانت تبثها قناة "الجزيرة"،  أنه وقف على تورط الملك المغربي الراحل، من خلال ما توافر لديه من معلومات حول هذه القضية، والتي كشفت -كما قال- خيوط المؤامرة، التي حيكت يومها ضد قادة الثورة الجزائرية، دون علم والد الأمير الحسن، الراحل الملك محمد الخامس.

وقال هيكل إن الحسن الثاني، تدخل من خلال نفوذه كرجل ثاني في القصر الملكي (أمير)، من أجل ترتيب الرحلة الجوية بين الرباط وتونس، والتي كانت ستقل والده الملك محمد الخامس، وقادة الثورة الجزائرية من السياسيين، على متن طائرة واحدة، لكنه تدخل كي يسافر والده على متن طائرة خاصة به، فيما تم تخصيص طائرة ثانية تقل قادة الثورة الجزائرية، تابعة لشركة جوية مغربية.

ورأى هيكل في هذه الحادثة عملا مدبرا ، من طرف الأمير الحسن والمخابرات الفرنسية، حتى يسهل اختطاف قادة الثورة، بعد إنزال الطائرة التي كانت تقلهم على مطار الجزائر، التي كانت يومها تحت السيطرة الفرنسية، لأنه من غير الممكن تحقيق هذا الهدف، في حال سفر القادة الجزائريين، على متن طائرة واحدة برفقة الملك المغربي محمد الخامس، وإلا عد ذلك انتهاكا لحرمة دولة ذات سيادة.

وعلق هيكل على ما قام به الأمير الحسن، على أنه توجه جديد، بدأ ملك المغرب المستقبلي، التأسيس له، منذ أن كان في المنفى برفقة والده في مدغشقر، حيث ترسخت لديه قناعة بأن مساندة القصر الملكي المغربي للثورة الجزائرية، جلبت له الكثير من المتاعب، بسبب إصرار الجزائريين على الاستقلال التام عن فرنسا الاستعمارية، وهو الأمر الذي لم يكن مطروحا حتى للتصور بالنسبة للساسة الفرنسيين، الذين كانوا يعتبرون الجزائر امتدادا جغرافيا وطبيعيا لباريس في القارة الإفريقية.

بينما تذهب رواية الطبيب الخاص لمحمد الخامس إلى الاتهام الضمني للأمير الحسن الثاني في العملية من أجل التخلص مما سماه الخطر الداهم للجمهورية الناصرية المزمع إنشاؤها على مشارف المملكة العلوية  في اشارة الى الجمهورية الجزائرية.

كان لاختطاف هؤلاء القادة أثرا كبيرا على مسار الثورة التي تأججت، بعدما قرر قادتها في الداخل والخارج، التمسّك بخيار المقاومة من أجل التحرّر.

وقال أحمد بن بلة في شهادته بعد ذلك "إن عملية الاختطاف نسفت المفاوضات بين جبهة التحرير الوطني، والحكومة الفرنسية من أجل إنهاء الحرب".

المصدر : موقع الإذاعة الجزائرية

 

الجزائر, سياسة