يسلط العدد الثاني لمجلة "ثقافات" الصادر مؤخرا الضوء على مراسلات عدد من المجاهدين إبان الثورة التحريرية تعكس جوانب إنسانية وعاطفية في مسارهم النضالي غير تلك السياسية والحربية التي عرفوا بها.
و يقترح هذا العدد من المجلة نصوصا تحت عنوان "مراسلات ما قبل الاستقلال: رسائل ثورة .. رسائل حب" لا تعبر فقط عن براعة الثوار في فنون التواصل الحربي وإنما تتضمن أيضا محبتهم وعرفانهم لأهاليهم بما حملته من حب وشوق وامتنان وحنين وحتى روح الدعابة يقول المقال الافتتاحي للإصدار.
وتقدم المجلة في هذا السياق مراسلات لكل من حسيبة بن بوعلي التي حمل نصها المكتوب في 15 سبتمبر 1957 أي 23 يوما قبل اغتيالها قدرا كبيرا من الوعي النضالي والامتنان للوالدين.
"والدي العزيزين .. تلقيت بعض أخباركم بصورة مقتضبة من والدة الأخ سي عبد الرزاق. يبدو أنكما بأحسن حال. ذلك ما أرجوه من كل قلبي (...) ما أصعب الشوق إلى الأهل حين نكون بعيدين عنهم (...) لا تتصورون كم أفتقدهم ..." هي بعض العبارات المؤثرة من رسالة حسيبة التي وصفتها المجلة رفقة غيرها من المراسلات بالقصائد النثرية التي "ترقى لأن تكون مقررات أدبية ...".
ويبرز العدد من جهة أخرى مراسلة للعقيد لطفي -وإسمه الحقيقي بن علي بودغان- عكست بدورها حبا كبيرا للزوجة والابن وأكبر منه للوطن الأم الجزائر حيث كتبها إلى زوجته في 16 مارس 1960 قبل عشرة أيام من استشهاده وهو لايزال في ريعان الشباب.
وأما آخر رسالة يقدمها الإصدار فكانت لأحمد زبانه التي يجد القارئ فيها عاطفة كبيرة تجاه الوالدين والأخوة واخلاصا لا حدود له للوطن وأكثر منهما عقيدة إيمانية راسخة وهو الذي خطها لوالديه من سجن الجزائر ذات 19 مارس 1956 أي قبل ثلاثة أشهر من إعدامه.
وتظهر هذه النصوص "معدن نساء ورجال آمنوا بقضيتهم" فرغم جسارة مسؤولياتهم إلا أنهم "لم يغفلوا أبدا" عن إيصال رسائل حب وامتنان لأقربائهم وأحبائهم يقول المقال الذي يعتبر من جهة أخرى أن المؤرخين قد "أغفلوا كثيرا" الجوانب الإنسانية والعاطفية التي قد تحملها مثل تلك المراسلات التي غالبا ما خطها الثوار مع أنفاسهم الأخيرة على هذه الأرض.
وتناول أيضا العدد الثاني من مجلة "ثقافات" الشهرية مواضيع أخرى في التاريخ والأدب والفكر والفن.
وكان العدد الأول من"ثقافات" -صادرة عن وزارة الثقافة- قد نشر في جوان الماضي.