يعالج المفكر و الفيلسوف الجزائري، مصطفى شريف في كتابه الأخير الذي عنونه " الخروج من التطرف، لا لفقدان الهوية" الصادر عن دار النشر القصبة، معاناة المسلمين الذين يجدون أنفسهم في فخ التطرف بمختلف أشكاله بالرغم من أنهم يتطلعون إلى العيش بسلام وفق متطلبات عصرهم و في دولة القانون.
فحسب مصطفى شريف، الذي نال مؤخرا جائزة اليونسكو، حول حوار الحضارات، فإن المسلمين يجدون أنفسهم بين نارين، نار التطرف الديني من جهة، و نار التطرف العقلاني من جهة أخرى. و كل طرف يريد استغلال الدين الإسلامي الحنيف ليفرض إيديولوجيته عليهم، ما يجعل المسلم محاصرا من كل جهة بسبب هذا التطرف بشكليه، بالرغم من أنه في الواقع يأمل في أن يعيش في دولة مدنية عادلة حيث بها الحكم الراشد و تطبق دولة القانون و يمكن له الحفاظ على روحانيته و وجدانيته. فالمسلمون يأملون في ممارسة شعائرهم الدينية مع العيش في عصرنا الحالي.
ووضع الكاتب مقابلة بين التطرف الديني و بين التطرف العقلاني. كل منهما يأخذ حجته من الدين الإسلامي و لكن في الواقع كل منهما يخدم أجندة دولية فرضتها القوى العظمى لاستهداف المسلمين و تشتيتهم و إبقائهم في ثوب المتهم.
يضع مصطفى شريف النقاط على الحروف بشكل حاسم من الصفحات الأولى لكتابه، حيث يؤكد بشكل قاطع أن الدين الإسلامي ليست له أية علاقة بالتطرف و التعصب و لا بأي شكل من أشكال العنف. فهو دين يحث على الوسطية و التسامح و السلام.
فبالنسبة إلى التطرف الديني، يحاول مصطفى شريف الإجابة عن كيفية وصولنا إلى هذه الوضعية المتأزمة، بالرغم من أننا كنا فيما مضى، أي الحضارة العربية الإسلامية، مركز إشعاع فكري وحضاري و علمي. بالنسبة إلى المفكر، الجواب واضح، هم الذين يستغلون الدين لأغراض سياسية، الذين نتج عنهم الإرهاب باسم الإسلام بالإضافة إلى الرهانات الجيو سياسية التي تهيمن فيها القوى العظمى على العالم و تدعم تلك الجماعات بطرق مباشرة و ملتوية في آن واحد من أجل تحقيق أهدافها. و إلى الجهل الذي بسببه أصبح الدين بعيدا عن الروحانية، إذ يقول في الصفحة 30 أن الإسلام تمت خيانته من الداخل و من الخارج.
فالجماعات المتطرفة و الإرهابية جاءت نتاج للتزاوج بين إيديولوجيا دينية صارمة و بين السياسة الإمبريالية المنتهجة من قبل القوى العظمى التي نجحت في استعمال تلك الجماعات المتطرفة كحصان طروادة لضرب البلدان المسلمة.
و يعود الفيلسوف إلى أسباب التطرف حيث يرجع السبب الأول إلى الأسباب الجيوسياسية، حيث أن القوى العظمى تصنع و تدعم بعض الفرق المتشددة من أجل إضعاف المجتمعات المسلمة من الداخل وتدفعها للصراع من أجل السلطة و الحكم. و الثاني هو معرفي و القراءة الحرفية للنصوص الدينية التي أنتجت مدارس دينية إيديولوجية قانونية بدائية. أما الثالث فاجتماعية و اقتصادية في آن واحد التي أنتجت الإحباط و فقدان الأمل لدى المواطن المسلم.
في المقابل و بالنسبة للتطرف العقلاني، يدعو مصطفى شريف أولا إلى تصحيح المفاهيم و نزع كلمة إسلامي على المتعصبين و المتطرفين و كل الذين يستعملون الدين لأغراض سياسية لأنهم في الواقع مضادين للإسلام. فالإسلام معروف باعتداله ووسطيته.
أما فيما يخص محاولة تبرير الإرهاب و التطرف بنصوص دينية، بمعنى أن النص القرآني أصل هذه الظواهر، فيرى مصطفى شريف أن هذه محاولة لجعل المواطن المسلم ملزم بالاختيار بين الإرهاب و بين ترك الدين الإسلامي، لأن في الواقع الإرهاب هو فعل سياسي و ليس ديني.
و في هذا الصدد، ينتقد مصطفى شريف المفكرين الذين ينتقدون القرآن الكريم و يجعلون من بعض آياته مصدرا للعنف، حيث يقول إن القرآن دعا دائما إلى الوسطية و الاعتدال و الحكمة و يحذر من التفسير الخاطئ . كما استشهد ببعض آيات القرآن الكريم التي جاءت في آخر البعثة النبوية و التي تعطي الحرية لأي كان في اختيار دينه. ويستنكر استعمال كلمة الجهاد خارج سياقها التاريخي الحقيقي.
كما انتقد مصطفى شريف بعض المفكرين المسلمين الذين للأسف يزيدون من الخلط في المفاهيم باتباعهم للطرف المقابل الذي يلصق التطرف و الإرهاب بالإسلام حيث يشير إلى كتاب " مرض الإسلام" للمفكر التونسي عبد الوهاب مداد. ففي نظر مصطفى شريف فإن الخلط في المفاهيم يزيد من حجة الدول العظمى في إدانة المسلمين .
و للخروج من التطرف بشكليه لا يوجد سوى وسطية الإسلام الحقيقي و الاعتدال و الاعتماد على الديمقراطية و المعرفة و التربية و يكون ذلك من خلال التواصل بين الماضي و الحاضر.
و للوصول إلى هذه الغاية يجب وضع حد نهائي للاستحواذ غير الشرعي للدين بالنسبة لطرف و العقل بالنسبة للآخر.
فالإسلام ليس نقيض الديمقراطية و في أصله محرر و يدعو إلى المساواة و التفتح.
المصدر: موقع الإذاعة الجزائرية / أنيس بن هدوقة