تحتضن العاصمة الجزائرية بدءا من هذا الاثنين الـ 26 ماي و إلى غاية الخميس الـ 29 من الشهر ذاته الندوة الوزارية 17 لحركة بلدان عدم الإنحياز في ظرف يتميز بتفاقم أزمات اقتصادية و سياسية و دبلوماسية بعدة مناطق من العالم مما أعاد الحديث عن المبادئ المؤسسة لحركة تولدت عن الحاجة إلى تأسيس نظام عالمي متعدد الاطراف أكثر هدوءا وأكثر إنصافا.
بعد مرور اكثر من 40 سنة من احتضانها بنجاح القمة الرابعة للحركة ، ستنظم الجزائر هذا التجمع للبلدان النامية الذي كانت من رواده الفاعلين والذي تمكن منذ السبعينيات بفضل دبلوماسية نشيطة من فرض من منبر الأمم المتحدة فكرة ثورية خاصة بنظام دولي جديد يكون فيه التعامل في إطار الشراكة لخدمة التنمية والسلم والوفاق عبر العالم.
ان موضوع "التضامن المدعم من أجل السلم و الازدهار" الذي أختير لندوة 26 ماي مع جدول أعمال مفتوح لكنه يركز على بحث اشكاليتي السلم و التنمية يستوقف البلدان الاعضاء الـ 117 للتوصل إلى تضامن دولي حقيقي كان بالأمس غير ممكن بسبب الصراع بين بين الشرق والغرب و هو اليوم امام تحديات لها انعكاسات خطيرة على مستقبل الانسانية.
و تحسبا لقمة رؤساء الدول المزمع عقدها سنة 2015 سيسعى وزراء الشؤون الخارجية ضمن قرارتهم إلى اعطاء حيوية و انسجام أكثر للحركة لاسيما من خلال دعوتها إلى اقامة تحالفات مع تكتلات أخرى حتى تتمكن في إطار تضامني من مواجهة التحديات الجديدة التي تقسم العالم و التي قد تؤثر في المقام الأول على البلدان المعروفة بـ" بلدان العالم الثالث".
و بالفعل فقد حاولت الحركة التي تعد تكتلا سياسيا دون أن تتمتع بسلطة أخرى سوى أنها قوة مستقلة من حيث الاقتراح و رد الفعل و التي تمثل نصف سكان العالم خلال الاجتماعات القمة الـ16 التي عقدتها منذ تأسيسها في سنة 1955 ، التكيف مع المعطيات الجديدة التي تميز العلاقات الدولية دون أن تتجاهل أهدافها و مبادئها الاساسية الخاصة بالتعاون الدولي من أجل السلم و التنمية.
أولويات من نوع آخر ...
بعد أن ركزت جهودها على مشاكل تصفية الاستعمار و النزاعات المتولدة عن فترة " الحرب الباردة" بين القوى العظمى و تحقيق تنمية اقتصادية منسجمة على الصعيد العالمي تعكف الحركة اليوم على بحث الاولويات الراهنة و هي من نوع آخر من أجل تعزيز دورها و حتى تصبح قوة هامة و مؤثرة على الساحة الدولية.
و ترى حركة بلدان عدم الإنحياز أن التحديات التي يواجهها العالم اليوم عديدة و تذكر مختلف الاطراف بمسؤولية التعاون للتصدي لها باسم حفظ السلم و الأمن العالميين: النزاعات الداخلية و الارهاب العابر للأوطان و الاوبئة و حركات الهجرة غير الشرعية و التهريب بجميع أنواعه و تدهور البيئة و المجاعة و الفقر و الانعكاسات السلبية للعولمة و التأخر المسجل في مجال التكنولوجيات و مشاكل الحكامة و احترام حقوق الانسان.
و يضاف إلى هذا الواقع الجديد استمرار أو بروز نزاعات تشكك في التوازنات الجيوسياسية على الصعيد الاقليمي و الدولي على غرار " الثورات" العربية منذ 2011 و جمود مسار السلام في منطقة الشرق الأوسط و حالة اللاستقرار بالقارة الافريقية و الساحل على وجه الخصوص اضافة إلى الأزمة الاوكرانية التي أظهرت فجأة شبح الصراع بين الشرق والغرب و الحرب الباردة.
و أمام هذه التهديدات ، حاولت بلدان حركة عدم الإنحياز خلال السنوات الأخيرة اقناع البلدان الصناعية بالمصير المشترك بين جميع سكان المعمورة و بالتالي ايجاد حلول جماعية للمشاكل التي في النهاية ستؤثر على العالم اجمع.
و يبدو أن رسالة بلدان هذه الحركة تتلخص فيما يلي: ان البلدان الأكثر ثراء قد تغرق في الأزمات دون تنمية عالمية يتم تحملها جماعيا و أن الفقراء قد لا يفقرون اكثر فقط بل أيضا سيصبحون " مصدرين" للآفات (الارهاب و الهجرة السرية و الأمراض و المشاكل البيئية...) نحو باقي العالم مما سيساهم في تفاقم اختلالات التوازن العالمية.
و في إطار اجتماع الجزائر، فإن بلدان حركة عدم الإنحياز ستحاول دون أدنى شك مرة أخرى اخذ زمام المبادرة بخصوص المسألة المتعلقة بضرورة اعادة هيكلة ديمقراطية لمنظمة الامم المتحدة التي قد يمكن على مستواها للبلدان النامية أن تصبح " عنصرا فاعلا في الحكامة العالمية على اساس متعدد الاطراف" حسب تصريح لرئيس دولة عربية سابقا.
و عليه فماذا تعني حركة عدم الإنحياز بعد 25 سنة من سقوط المعسكر الشرقي ؟
لقد جاء الرد على لسان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال احدى القمم الأخيرة للحركة: " حركة عدم الإنحياز ليست فلسفة ظرفية مربوط وجودها بحقبة الحرب الباردة و متوقفة وجاهتها على الوقوف على نفس المسافة من المعسكرين المتناوئين.
كما أكد الرئيس بوتفليقة قائلا " لقد إرتضى عدم الإنحياز لنفسه أن يكون البرهان الدال على نهوض الشعوب المستعمرة ودخولها خضم التاريخ قصد بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب تكون قوته المحركة تعددية الأطراف.
و استرسل رئيس الجمهورية " لم تفقد هذه الرسالة شيئا لا من صلاحيتها و لا من حيويتها، وذلك ما يجعل حركة عدم الإنحياز تمثل بالنسبة لشعوبنا و بالنسبة للبشرية جمعاء أفقا مفتوحا على الأمل و تشجيعا على المضي قدما في كفاحنا من أجل بلوغ أهدافنا".