لم يكن للجزائر أن تكون قبلة للثوار وحاضنة للحركات التحررية بمحض الصدفة ، هذا البلد العظيم عظمة وعراقة شعبه لم يقدم دروسا في المقاومة والحرية فحسب، بل صدّرأروع صور التسامح و العيش معا في سلام منذ مئات السنين و إلى غاية اليوم.
-إعداد: راضية زرارقة - ليليا مجاوي-
القصة لها تاريخ طويل اخترنا لكم فصلا من فصولها أرخه رجل الظروف والأزمات الأمير عبد القادر الجزائري، الذي يعتبر علامة فارقة في تاريخ الجزائر، تمتع بمكانة عالية في فهم الرهانات الانسانية والسياسية والعسكرية، حسب الكاتب و الدبلوماسي السابق كمال بوشامة، فارتقت مفاهيمه و أفكاره و تعاليمه لمستوى العالمية.
"باب تومة الشهيرة"..شاهد على إنسانية الأمير وبصيرة عبد القادر الجزائري
الأمير عبد القادر الجزائري وإلى جانب حنكته العسكرية والديبلوماسية التي أرختها كتب التاريخ بكل اللغات، تميز بمسؤولية كبيرة اتجاه شعبه ووطنه ، فأسس الدولة الجزائرية الحديثة من خلال نشاطه السياسي والدبلوماسي الأمر الذي أجبر المستعمر الفرنسي على الاعتراف بدولته، وما زاد من ثقل هذا الرجل الفريد من نوعه وحشده لاحترام وتقدير حتى أعدائه سعيه لزرع روح التسامح والأخوة والعيش في سلام ونضاله المتواصل في سبيل ترقية حقوق الانسان.
وستظل في هذا الخصوص قصة "باب تومة الشهيرة" التي أنقذ فيها الأمير المسيحيين بدمشق من الدروز عام 1860 عندما آواهم في قصره، من أروع الرسائل الانسانية التي قدمها في بناء التعايش و تقبل الآخر وهي القصة التي ذاع صيتها حسب الأستاذ الجامعي و الباحث الدكتور محمد الأمين بلغيث وجنب من خلالها المنطقة السقوط في مستنقع الدم بسبب الفتنة و الصراع الجديد المحتمل بين الأديان بتدخل القوى الاوروبية.
اشتهر الأمير عبد القادر بشخصيته الصوفيه التي استمدت تعاليم ومبادئ الاسلام من الزوايا و لا تتفق فلسفته في الحقيقة مع الحرب بل هو إنسان محب للسلام راعيا للمحبة و الوئام كيف لا وهو من قال " لو استمع إلي المسلمون و المسيحيون لجعلت منهم إخوة " فهو يؤمن بالدفاع من المظلومين و المضطهدين بغض النظرعن عرقهم و لونهم و يفرق بين وجوب محاربة المعتدي على أرضه ومن يستحق العيش بسلام على تلك الأرض حتى لو كان مختلفا عنه.
رسائل بعض الملوك للأمير عبد القادر بعد الحادثة
رسالة قيصر الروس
إلى الأمير عبد القادر، اقتضت رغبتنا أن نشهر التفاتنا إليكم بشهامتكم وعملكم بما اقتضته الإنسانية، و اجتهادكم في انقاذ ألوف المسيحيين من أهالي دمشق ، الذين وجدوا في خطر عظيم، اقتضى الحال أننا سميناكم من أعظم فرسان رتبتنا الإمبراطورية المشهورة بالنسر الأبيض
رسالة ملك إيطاليا
إن عظيم تصرفكم في أمر المسيحيين في الحوادث الشامية قد أثبتت أمام أوروبا أنكم ممن حاز المزايا الحربية العظيمة، خصوصا في الحادثة الدمشقية التي أنقذتم فيها النفوس الكثيرة، فكان ذلك حلية لنفسكم الكريمة المصطفاة، ثم إنه يوجد بيني وبينك أيها الأمير العزيز مواصلة أفرح بذكرها وهي محبة الحرية التي تجعل تابعيها محافظين على العدالة الحقيقية .
رسالة ملكة إنجلترا
من جلالة ملكة المملكة المتحدة بريطانيا العظمى إلى صاحب السمو الأمير عبد القادر، تذكارا للمساعدة الخيرية المبذولة للمسيحيين في دمشق سنة 1860.
رسالة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الأمير عبد القادر
إن الأمير عبد القادر قام ابتداء من سنة 1837م، أي قبل اتفاقية جنيف بكثير، بتحديد مفهوم حقوق المستضعفين والمغلوبين والأسرى وجرحى الحرب والسجناء و قام بتقنين هذه الحقوق التي كانت غير معروفة
وكان رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة و بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الأمير عبد القادر قال في رسالة وجهها للمشاركين في هذا الملتقى أنذاك إن الأمير عبدالقادر قام بصياغة مرسوم وطني تناول طرائق الحرب. وهو مرسوم يمنع على جنوده المساس بكرامة الأسرى وبسلامتهم الجسدية. وقد قيد هذا القانون العسكري الذي كان يحظر تعذيب الأسرى من الأعداء وقتلهم، في ميثاق حظي بدوره بموافقة زعماء العشائر وممثلي هيئات الدولة الجزائرية آنذاك وجاء في كلمة رئيس الجمهورية كذلك أن هذه الاتفاقية كانت سباقة لاتفاقية جنيف التي تم تبنيها سنة 1864.
ويؤكد رئيس لجنة الاعلام بمجلس الشعب السوري إلياس مراد أن شخصية الأمير عبد القادر تحظى باحترام و تقدير الشعب السوري بمختلف طوائفه الدينية، حيث كان له الفضل في ترسيخ مبدأ العيش الواحد ببلده مشيرا إلى أن موقفه اتجاه المسيحيين و بطولاته مدونة في المناهج التربوية السورية و تلقن للأجيال الصاعدة.
كما يرى الدكتور أحمد ميزاب رئيس اللجنة الجزائرية الإفريقية للمصالحة أن الجزائر اشتهرت بنشر قيم السلم و المصالحة و من ذلك آخر مبادراتها التي حظيت بالقبول لدى هيئة الأمم المتحدة و الخاصة بترسيم يوم ال16 ماي يوما عالميا للعيش في سلام بعد نجاح تجربة تطبيق ميثاق السلم و المصالحة الوطنية الذي تبناه الشعب و احتضنه بناءً على أصالته وعقيدته و المدرسة التي ينتمي إليها.
ستظل النزعة الإنسانية والروح الوطنية و النظرة الحديثة لبناء الدولة الوطنية شمعة تضيء تاريخ الجزائر و ذكرى لا تموت لتجديد طاقات و عزم الأجيال القادمة.
إعداد:راضية زرارقة - ليليا مجاوي