استضافت القناة الأولى الإذاعية أمس الخميس أستاذ القانون الدستوري بجامعة الجزائر1 السيد رشيد لوراري في حصة خاصة بــ" التعديل الدستوري" الذي كلف به رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون لجنة لصياغته من أجل إعادة التوازن إلى الحياة السياسية والمؤسساتية للبلاد في ظل دستور قابل للديمومة وغير معرض للتعديلات وللأهواء الشخصية لتحقيق إجماع سياسي وطني ومجتمعي جذري يحدد من خلاله صلاحيات دقيقة لكل المؤسسات السياسية للبلاد.
س 1- ما هي قراءتكم الأولية للتوقيت الذي تم الإعلان فيه عن تكليف هذه اللجنة بصياغة التعديل الدستوري ؟
ج1 – بدون شك كنا قبلا نتحدث عن جمهورية جديدة ، فيتعين التأسيس لهذه الجمهورية الجديدة بدستور جديد وكما هو معروف فالدستور هو "عبارة عن عقد سياسي واجتماعي بين الحاكم والمحكوم، وبلغة القانون هو القانون الأسمى ولذلك فرئيس الجمهورية قدم 54 وعدا في حملته الانتخابية ورافع من أجلها، من بينها تعديل الدستور الحالي. والملاحظ بأنه يأتي في الأولويات دون إهمال القضايا الأخرى بعد تشكيل مجلس الوزراء وقام الرئيس بعقد الاجتماع الأول له و بالأمس اجتمعت الحكومة . وهذه الهيئة بصدد إعداد مشروع مخطط العمل الذي سيقدم إلى البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه . ولذلك اعتقد بأن الظرف السياسي الحالي مدروس ويندرج تعديل ما تم القيام به أمس من قبل السيد رئيس الجمهورية فيما يتعلق بتعيين هذه اللجنة واختيار كفاءة من الكفاءات الوطنية لرئاستها ومن خلال رسالة التكليف و ما تضمنته فان التوقيت في محله.
س2- هل تعتقد حقيقة بأن التعديل الدستوري كفيل بإعادة التوازن إلى الحياة السياسية والمؤسساتية للبلاد ؟
ج 2- دعنا نفصح في البداية، بأن قيمة أي نص دستوري أو قانوني أو سياسي في أي مجتمع من المجتمعات هو في مدى ترجمته للواقع اليومي في أي شعب أو في أي أمة من الأمم، لذا مهما كان هذا النص الدستوري المقترح من قبل هذه اللجنة فان القيمة الحقيقية تظهر عندما يتم الشروع في تنفيذه بعد استفتاء الشعب حوله . وأنا متأكد بان نتيجة الاستفتاء ستكون بـــ" نعم " . ولهذا لا يمكننا الآن أن نصدر أحكاما على هذا النص لكن اعتقد انه بعد تفحص المحاور السبعة الواردة في رسالة التكليف والتي هي بمثابة خارطة طريق لهذه اللجنة التي تم اختيار أعضائها للقيام بهذه المهمة. قلت : بأن هذه اللجنة ستلتزم بالمحاور المحددة لها وستقوم بإعداد مشروع التعديل انطلاقا من هذه المحاور ولذلك أظن أن التجربة العملية لدستور 1996 والتعديلات التي أدخلت عليها خاصة في التعديلين اللذين وقعا في سنة 2008 ، ثم بعد ذلك تعديل 2016 ، أبرز مجموعة من النقائص التي تعود إلى مجموعة من الاعتبارات أحيانا إلى الطريقة التي تمت بها صياغة مجموعة من مواد هذا الدستور كصياغة عامة " مبنية للمجهول " و التي كانت صياغة مقصودة تحمل في طياتها جملة من الخلفيات . والسؤال الذي يبرز ها هنا هل كانت الإرادة السياسية متوفرة بالنسبة لتجسيد دستور 1996؟. بالتالي مهما كانت قوة وأبعاد ومضمون النص الدستوري المقبل فان هذه القيمة قيمة إضافية عند تجسيدها في الواقع ، وان كان مبدئيا اعتقد بان هذه الإرادة السياسية من ملامحها الأولى والخطوات الأولى هي متوفرة في السيد الرئيس عبد المجيد تبون .
س 3- ما هي الروح التي يتوجب أن تتوفر في أي دستور حتى يكون قابلا للديمومة وغير معرض للتعديلات وللأهواء الشخصية ؟
ج 3 – أولا ينبغي أن يكون هذا الدستور "دستورا جامعا " و المعنى من ذلك بأن يأخذ بمجموعة من المنطلقات والاختيارات لأي مجتمع من المجتمعات بالدرجة الأولى وثانيا يجب أن يكون معبرا عن طموحات وآمال ورغبات الجماهير والشارع. وثالثا يجب صياغة الدستور صياغة قانونية دقيقة لا تحتمل التأويلات والتفسيرات . أما النقطة الرابعة انه في حال ما كان هذا الدستور جامعا وعاكسا لآمال الجزائريين في إحداث التغيير المنشود، كما يجب أن يكون لأجل إقامة دولة الحق و القانون والحقوق والحريات لا دساتير أشخاص، في كنف الدراسات الهادئة والعميقة ذلك لأن العبرة في صياغة الدستور إنما تكمن في دقة ووضوح مواد الدستور و إذا ما توفرت النية السياسية وهي متوفرة هذه المرة . فعند ذاك و دون شك فان هذا النص الدستوري سيعمر طويلا. و النص القانوني لكي يساير تنظيم هذا المجتمع باعتباره عقدا بين الحاكم والمحكوم لابد أن يخضع لهذه القاعدة المتغيرة والمتطورة في الزمان والمكان بين فترة وأخرى من وجهة نظر مفاهيمية حتى لا تقف كعائق في طريق تطور المجتمع .
س4 – كيف يمكن التوصل إلى إجماع مع الطبقة السياسية حول مشروع التعديل؟ وهل ذلك ممكن في هذا الظرف الحالي؟
ج4- بالرغم من الظروف والمعطيات التي تعد مظهرا من مظاهر الأزمة التي عشناها خاصة منذ الحراك الشعبي بتاريخ 22 فيفري 2019 هذا لا يمنع من تحقيق التغيير الذي ننشده يجب أن يكون التعديل الدستوري المقبل تعديلا جامعا، و لا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا فتح المجال لمختلف الآراء و الأصوات ووجهات النظر . و في اعتقادي أن السيد الرئيس "حسن ما فعل" عندما لم يكتف بالذهاب مباشرة إلى استفتاء شعبي حول مشروع هذه الوثيقة المنتظرة، بل راح لأبعد من ذلك من خلال فتح نقاش معمق وواسع بين مختلف الفاعلين السياسيين وكل فعاليات المجتمع المدني لإبداء رأيها في إنشاء هذه الوثيقة وهذا أمر محبب ومنهج سليم، بل وأسلوب حضري لأنه مهما كانت هذه اللجنة بتركيبتها البشرية من كفاءات جامعية ووطنية قد لا تستطيع أن تدرج ضمن مقترحاتها أغلب القضايا الأساسية الجوهرية التي تشكل محل توافق حتى لا أقول " إجماع كلي" أو توافق بالأغلبية في مفهومها الايجابي لا الأغلبية الاقصائية . لأننا لمّا نتحدث عن دستور مبني على الحريات والحقوق وتكريسها نلاحظ أن وثيقة السيد الرئيس أدرجت فكرة البحث ودراسة والاتفاق على الآليات التي يمكن من خلالها أن نكفل ونضمن ممارسة هذه الحريات الأساسية التي ستتضمنها هذه الوثيقة سواء كانت حقوق وحريات فردية أم جماعية .
س 5 - في رأيكم أستاذ ما هو المحور الذي يجب أن يكون ذو أولوية في التعديل المقبل ؟
ج 5- في اعتقادي، أن هذه المحاور كلها متكاملة ولا يمكننا عزل محور عن باقي المحاور، لأنه لا يمكننا أن نتحدث عن مبدأ الفصل بين السلطات بمعزل عن الحقوق والحريات، ذلك لأنه في اللغة القانونية والدستورية نعتبر مبدأ تكريس الفصل بين السلطات هو من بين الضمانات الأساسية لاحترام الحقوق والحريات .
س 6 – مالمقصود حقيقة بفصل السلطات؟ هل هو تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية ؟
ج 6- إن المقصود بمبدأ الفصل بين السلطات كما هو متعارف عليه في الفقه الدستوري، هو مبدئيا لا بد من التذكير بأن هذا المبدأ يتكئ عل ثلاث سلطات رئيسية، أي ثلاثة مؤسسات سياسية أساسية ( السلطة التنفيذية ، السلطة التشريعية ، السلطة القضائية )، وفي فهمي الخاص عند الحديث عن الفصل بين السلطات ليس كما يتصوره البعض على أساس أن يكون "فصلا مطلقا " وهو ما عبّرت عنه رسالة التكليف بعبارة "ذلك الفصل المتوازن" الذي يؤدي إلى إيجاد نوع من التعاون بين السلطات الثلاث للقيام بالمهام الدستورية الموكلة إلى كل سلطة من السلطات الثلاثة . بل يجب أن تكون مستقلة عند إنشائها أي لا دخل للسلطة التشريعية في اختيار أعضاء السلطة التنفيذية ولا دخل للسلطة التشريعية في اختيار أعضاء السلطة القضائية ، ولا دخل كذلك ولا دخل للسلطة التنفيذية في اختيار أعضاء السلطة القضائية . و هذا ما يسمى بعبارة أخرى بـــ" الاستقلال العضوي " أو " التخصص الوظيفي " .
س 7- هل حقيقة تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية سيحل هذا الإشكال ؟
ج 7- في حقيقة الأمر لم يكن ثمة إشكال، بل إن هذا الإشكال تم اصطناعه في دستور 1996 لأن الذين كُلفوا بوضع هذا الدستور وحتى اللذين أشرفوا في ما بعد على عملية تعديل هذا الدستور كان عندهم هاجس واحد هو "دعم وتقوية السلطة التنفيذية" . مفرزا بذلك مصطلحا مدوخا "تغول السلطة التنفيذية "، فأصبحت السلطة التنفيذية مجسدة في شخص واحد وهو رئيس الجمهورية تهيمن على كل السلطات، ما هو منها غير ممنوح حتى في الأنظمة الملكية . ولا حتى في الأنظمة الرئاسية أو شبه الرئاسية أو الأنظمة الجمعوية. و بعبارة أخرى عمل كل اللذين أشرفوا على عملية تعديل هذا الدستور كان عندهم هاجس واحد وهو تقوية صلاحيات رئيس الجمهورية وتدعيم مركز رئيس الجمهورية دستوريا . وفي هذا الإطار وعند الحديث عن تقليص مهام رئيس الجمهورية هذا يدفع بنا إلى القول بضرورة إحداث هيئة جديدة وهي هيئة " رئيس الحكومة " التي كان معمولا بها في دستور 1989 بمعنى أن هذه الأخيرة تصبح تشكيلتها مبنية على هيئة رئيس الجمهورية وهيئة رئيس الحكومة وليس الوزير الأول باعتباره حسب الدستور الحالي مجرد منسق .
المصدر: ملتميديا الإذاعة الجزائرية - بلقاسم عثمان