وجه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، رسالة إلى الشعب الجزائري بمناسبة إحياء ذكرى عيد النصر الموافق لـ 19 مارس، فيما يلي نصها الكامل : "بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين أخواتي الفضليات، إخواني الأعزاء، تتداعى إلى أذهاننا في هذه اللحظات التي تواجه فيها الأمة محنة وباء كورونا فيروس المستجد العالمي ، ملاحم ثورتنا التحريرية المجيدة التي أفضى زخمها وقوة ضرباتها، غداة غرة نوفمبر إلى إنهاك جحافل العدو وقصم جبروته، في جبالنا وقرانا ومداشرنا ومدننا، وفي كل شبر من الجزائر المجاهدة، وانبثقت عن تلك الملاحم بعد كفاح مرير وتضحيات جسام تباشير النصر، الذي نحتفل به اليوم في 19 مارس، شهر الشهداء الذين هم على الدوام منارات، تنحني أمامهم الهامات والقامات إجلالا وإكبارا لأرواحهم الزكية الطاهرة، كما أنه شهر من أشهر رفاقهم المجاهدين الأحياء الذين نتوجه إليهم بالتقدير والعرفان، أطال الله في عمرهم، ومتعهم بالصحة والعافية.
وإنها لمناسبة أخرى أستغلها للتذكير بمسؤولية الدولة الكاملة في حماية الذاكرة الوطنية ، وجمع كل ما يتعلق بها سواء كان متوفرا في الداخل من شهادات حية، ومخطوطات، ومعالم أثرية، وتسجيلات صوتية أو مصورة، وأفلام وثائقية، أو في الخارج مع الإصرار على استرجاع أرشيف وطننا خلال الحقبة الاستعمارية كاملا، وجماجم رموز قادة المقاومة الشعبية، أمثال الشريف بوبغلة، والشيخ بوزيان، وغيرهما، و أن تتوسع القائمة إلى كل الرفات المتواجدة عبر التراب الفرنسي، هؤلاء ليس مكانهم أقبية المخازن أو قبور مجهولة وإنما من حقهم علينا أن يعاد دفنهم بما يليق بتضحياتهم في مقابر الشهداء بين ذويهم وأهلهم وتحت العلم الوطني المفدى، كما أن استجلاء مصير المفقودين أثناء حربنا التحريرية وتعويض ضحايا التجارب النووية، يظلان محل المتابعة والاهتمام إلى أن يطوى ملفاهما بشكل عادل.
أخواتي، إخواني، إن شعلة نوفمبر التي هي خاتمة ملاحم المقاومة الشعبية التي لم تنقطع طيلة 132 سنة من الاحتلال الغاصب لبلادنا، متقدة في حماس الشباب المتشبع بالروح الوطنية، وكأن رسالة الشهداء كتبت اليوم بمعالم ثابتة لهويتنا ومقومات شخصيتنا الوطنية، فلا محيد للجزائر عن نهجها المبارك الذي رعاه المجاهدون الأوفياء ويتعهده الوطنيون المخلصون، لا تنال منه النوائب والمحن ولا نوازع الحنين في نفوسٍ واهمة، تحجرت بها أضغاث الأحلام في ماض ولى إلى غير رجعة، وتأْبى الانعتاق من قبضة بقايا المنظومة الثقافية والفكرية العنصرية الاستعمارية التي نشأت على استعباد الشعوب ونهب ثرواتها وخيراتها.
إنني لن أمل ما حييت من التكرار بأن الجزائر الوفية لرسالة الشهداء، لن تسمح أبدا باستمرار الممارسات والذهنيات التي زرعت بذور الفساد السياسي والمالي وأفسدت الأخلاق، وغذت نفوس الشباب باليأس، وكادت بانحرافاتها الخطيرة أن تقوض أركان الدولة الوطنية، وسنواصل بعون الله، وبكل ثقة وإصرار، العمل على أخلقة الحياة السياسية والحياة العامة، اعتمادا على الكفاءات الوطنية في الداخل والخارج، وعلى ما يزخر به شبابنا من تألق وإبداع وقدرة على العطاء، وإنه لجهد يحتاج إلى تضحيات الرجال أسوة بأسلافهم الميامين من الشهداء الذين مهما فعلنا لتكريمهم وتشددنا مع أنفسنا للحفاظ على أمانتهم، فلن يساوي ذلك، مهما عظم، قطرة دم واحدة سالت من أجسادهم الطاهرة.
أيتها الأخوات الفضليات، أيها الإخوة الأعـزاء، إن إحياءنا لذكرى 19 مارس يحفزنا على مضاعفة الجهود لتوثيق وترسيخ الارتباط بالمرجعية النوفمبرية في كل خطواتنا، وإن ذلك لفي صميم الالتزامات التي باشرت في تنفيذها بمساعدة الخيرين من هذه الأمة وما أكثرهم، من خلال السعي الحثيث لبناء الجمهورية الجديدة التي نحن بصدد وضع أسسها الدستورية الجامعة للطاقات والعابرة للعهدات.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار، عاشت الجزائر حرة وأبية، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".