
لأن حرفة النحاس تجذرت منذ عقود في العائلة ولان شرف الحرفة كان اكبر، تخلى يوسف ابن عائلة قديورة بالعاصمة عن عمله في الإدارة واختار التفرغ لحرفة النحاس في محل بالقصبة شهدت جدرانه العتيقة على ميلاد هذه الحرفة منذ أمد بعيد.
ويوضح يوسف أن كل أفراد العائلة مروا على نفس الأدوات التي تحول النحاس إلى أواني وقطع فنية مميزة ابتداءً من الأب، وهو ما جعله يفكر مليا في مستقبل حرفة العائلة وموروثها، فقرر أن يطلب تقاعدا مسبقا من عمله كإداري ليتفرغ لحرفة الأجداد.
تحول اهتمام يوسف بحرفة النحاس بعد أن اكتشف ميوله لصناعة القطع الفنية التي كان يتخيل تفاصيلها لدى عودته من العمل فانتقل من بيع القطع إلى صناعتها.
وعرف الاهتمام بالقطع النحاسية في الجزائر تذبذبا في الآونة الأخيرة لتغير المهتمين بها لا سيما ربات البيوت والنساء العاملات اللائي يجدن عناء في عملية الاعتناء بالقطع والأواني المصنوعة من النحاس ، وهو ما جعل الإقبال يتضاءل بالمقارنة مع سنوات الثمانينات وما قبلها .
ويبدو أن مشكلة الإقبال على القطع النحاسية الفنية، لم تعد بتلك الحدة التي كانت عليها في أوائل هذه الألفية كما يقول النحاس يوسف غير أن النقص أصبح اليوم مسجلا على مستوى النحاسين والحرفيين الذي يتقنون الصنعة الحقيقية في الجزائر العاصمة والمدن الأخرى التي تشتهر بهذه الحرفة، لا سيما مع دخول ثقافة الاستيراد التي أصبحت توفر كل شيء بالرغم من وجود اختلاف في الأسعار والجودة بين ما يقدم محليا وما يستقدم من بلدان أخرى .
وقد أكد النحاس يوسف أن أغلبية النحاسين قد غيروا النشاط بسبب غلاء المادة الأولية التي تستورد من طرف خواص لا يعيرون لنوعية النحاس المستقدم أي أهمية بقدر ما يعيرون الاهتمام لرفع أسعاره والمضاربة به وهو ما لا يشجع على المضي في نهج هذه الحرفة، وهو ما يستوجب- أيضا-عودة الدعم الحكومي لهذه النشاطات ورعاية الدولة لعملية استيراد المادة الأولية للنحاسين، لأنه السبيل الوحيد الذي يكفل إنعاش هذا القطاع وحماية الحرفة من الاندثار ..ما دامت جزءا لا يتجزأ من التراث الزاخر للجزائر.

