يشكو عبد الرزاق، وهو عون أمن بإحدى الهيئات التابعة لوزارة السكن ، من مطالب ابنه المبالغ فيها – حسب تعبيره- خصوصا ما تعلق منها بطلب شراء لوحة الكترونية التي تتناسب وصغر سنه.
ويقول ان ابنه الذي لم يتعد العاشرة من عمره يلح عليه في كل مرة أن يقتني له لوحة الكترونية لممارسة الألعاب التي يشاهدها عند أقرانه بالحي، مبرزا أن "الأمر بات يشكل لي وجع رأس حقيقي لأن طلبه يتكرر يوميا ويستحيل علي تلبيته لعدم قدرتي ماديا فضلا عن أن الأمر لا يخلو من بعض المخاطر".
ويوضح أنه منذ اطلع ابنه على ما يعتبره "مغامرات" بعض أقرانه أو من يفوقونه سنا بالحي مع موقع "الفيسبوك" والألعاب التي تقدمها اللوحة الالكترونية، وهو يصر بعناده الذي لا يبدو أنه سيتوقف : " أريد لوحة الكترونية مثل أصدقائي..أريد أن ألعب الفيسبوك مثلهم ! ".
حالة عبدالرزاق وابنه مع اللوحة الإلكترونية ليست الوحيدة بل هي حالات تكاد تتكرر وتتشابه في كل بيت ولأغلب الآباء ممن اكتشفوا أخيرا أن أبناءهم أضحوا "رهائن" الشبكة العنكبوتية وشبكات التواصل الاجتماعي خصوصا موقع "الفيسبوك" الذي بات يشكل ملاذا لكثير من الشباب و حتى الأطفال حيث يقضون أمامه أوقاتا طويلة، وذلك رغم القوانين التي تحدد سن الاستخدام في الثالثة عشرة.
5 ملايين جزائري.. "مقيم" في الفيسبوك !
في غياب أرقام رسمية، تؤكد إحصاءات شبه رسمية أن عدد المستخدمين لشبكة التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" من الجزائريين يتعدى 5 ملايين مستخدم لا يستعمل منهم نحو 72.8 بالمائة هوياتهم الحقيقية، فيما يستخدم نحو 22 ألف جزائري مواقع "تويتر" وفقا لما كشفت عنه، منذ فترة، ندوة نابولي الإعلامية حول شبكات التواصل الاجتماعي.
ويوضح الخبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال بالجزائر يونس قرار أن "الجزائر تحتل المركز 41 عالميا في ترتيب مستعملي الفيسبوك بنمو يقارب 600 ألف مستعمل خلال الأشهر الستة الأخيرة" حسب تعبيره.
وحسب ذات الأرقام دائما، فإن نحو 70 بالمائة من مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" في الجزائر رجال، فيما تحوز النساء على باقي النسبة.
بينما لم تتم الإشارة إلى عدد الأطفال الذين بات اهتمامهم بالموقع، و"اللعب" بالانترنيت عموما، يتزايد يوما بعد آخر بعد اكتشاف "فوائد" التواصل مع الآخرين وربما "أشياء أخرى" !
ويقول (عبدالرحمن. ب)، وهو مسير إحدى مقاهي الانترنيت، إن اقبال الأطفال على التعاطي مع الشبكة العنكبوتية، وبالتحديد موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، يتزايد بشكل مطرد خصوصا خلال المساء والفترات الليلية وكذا العطل المدرسية.
ورفضا لاستغلال "براءة" هؤلاء الأطفال، كما يقول، واندفاعهم للتعاطي مع الفيسبوك اتخذ قرارا بمنع الأطفال دون الـ16 من عمرهم من الدخول إلى المقهي " حتى لا يزداد هوسهم بالفيسبوك والدخول في مغامرات لا تتواءم وسنهم وفي غفلة أهاليهم ما قد يؤثر على أداء واجباتهم المدرسية وحياتهم بصفة عامة " على حد تعبيره.
ويقول إنه اكتشف، بمحض الصدفة، أن كثيرا من هؤلاء الأطفال يلجأون لفتح صفحات في موقع "الفيسبوك" بانتحال هويات مزيفة ليس للتواصل الإيجابي مع الآخرين بل لوضع صور فاضحة أو قذف وسب الآخرين باستعمال كلمات نابية وخادشة للحياء".
ويتلاقى ذلك مع ما أكده (ابراهيم، ن)، وهو أستاذ بالتعليم الثانوي، بالقول انه انخدع في أحد أبنائه ممن لم يتعد الـ15 من عمره " خيل لي في البداية أنه ليس من هؤلاء الأطفال الذين استهوتهم موضة الفيسبوك والانترنيت، فلم يكن يلقى منا أي مراقبة، قبل أن نكتشف بالصدفة عن طريق أحد أصدقائه أنه من المهووسين بالموقع حيث يقضي ساعات أمام جهاز الكمبيوتر بالمنزل حينا وبمقاهي الانترنيت حينا آخر "، مبرزا أن "الأمر لم يتم اكتشافه لولا تغير طباعه في البيت وتهاونه في أداء واجباته المدرسية وتراجع معدلاته بشكل لافت ".
ويقر محمد، وهو طالب في السنة الأولى بكلية الطب، بإدمانه على "الموقع الأزرق" منذ كان في سن الثالثة عشرة.. كيف كانت الخطوة الأولى؟
يجيب: " كنت أسمع من بعض الأصدقاء بالحي عن الانترنيت و شيء اسمه الفيسبوك.اخترت رفقة أحد أصدقائي المغامرة بالموقع الأزرق، فلجأنا إلى إحدى مقاهي الانترنيت حيث باشرنا الخطوات الأولى لفتح حسابات بالموقع باسم وهوية مزورة وعمر كبير طبعا لأن قوانين الموقع لا تسمح لمن هم دون سن الـ13 بالإشتراك. ومن يومها بدأت حكايتي مع هذا الموقع".
وأضاف :" في البداية لم يستوني أي شيء في الموقع خصوصا مع بقاء صفحتي دون أصدقاء. لذلك انقطعت عنه لفترة طويلة لكن سرعان ما عدت إليها عندما أدركت أن علي إثراء الصفحة بفتح صداقات مع أشخاص قد تعرفهم وقد لا تعرفهم. ثم شرعت بفتح صداقات عديدة مع أصدقائي بالحي ثم مع أشخاص آخرين لا أعرفهم".
وتابع :" الحمد لله اكتسبت أشياء رائعة من خلال التواصل الدائم مع هؤلاء الأصدقاء. اكتسبت صداقات مهمة جدا، وزاد اهتمامي باخبار الكرة خصوصا برشلونة وبعض النوادي الإنجليزية مثل أرسنال وليفربول. كما زادت مداركي اللغوية من خلال تعلم اللغة الإنجليزية بشكل جيد من خلال التواصل اليومي والمستمر مع أصدقاء من مناطق مختلفة من العالم كماليزيا ودبي وانجلترا وكندا حتى أن كثيرا ممن تعرفت إليهم عبر هذا الموقع اقترحوا علي الذهاب إلى دبي أو كندا للدراسة في مجال تخصصي".
ولم يذع (محمد) سرا حين أكد تواصله مع أقرانه من دول أخرى، إذتشير إحصاءات إلى أن الأطفال بجميع الدول يستهويهم "الموقع الأزرق" لكن مع اختلاف نسب الاهتمام من بلد لآخر.
وفي هذا السياق كشفت إحدى الدراسات أن نحو نصف الأطفال في بريطانيا ممن تتراوح أعمارهم ما بين 9 و12 عاما يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي رغم القوانين التي تحدد سن الاستخدام.
وأضافت الدراسة التي أنجزتها جامعة لندن للدراسات الاقتصادية لصالح المفوضية الأوربية أن كل طفل من بين خمسة أطفال له حساب على الفيسبوك رغم أن القوانين التنظيمية تحدد سن الاستخدام في 13 عاما.
كما أشارت الدراسة إلي أن الأطفال الهولنديين هم الأكثر اشتراكاً في شبكات التواصل الاجتماعي من غيرهم حيث بلغت نسبتهم 70 %، في حين أن أطفال فرنسا هم الأقل استخداماً لشبكات التواصل الاجتماعي إذ تنحصر
نسبتهم في 25 %.
مزايا.. وتحذيرات!
مقابل المخاوف التي يبديها الكثير من الأولياء من استعمال موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" و"أخواته" على الأطفال، فإن كثيرا من الخبراء والمختصين ينصحون بعدم منع الأطفال استخدام مواقع التواصل الأجتماعي لأنها توسع من مداركهم العلمية وتفتح أعينهم على الآخرين.
ويقول الباحث في علم النفس التربوي بن محمد خليل أن "الرقابة اللصيقة على الأطفال في تعاملهم مع واقعهم اليومي أمر غير محبب إطلاقا، ومكلف للوقت والجهد للأولياء، كذلك الأمر في تعاملهم مع فضاءات الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصا الفيسبوك فضلا عن هذه الأخيرة تمنحهم مزايا مجانية".
ونبّه إلى أن "استخدام هذه المواقع تمكن الأطفال من توسيع مداركهم وتكسبهم معلومات في شتى المجالات والميادين، كما تكسبهم مهارات في استخدام الكمبيوتر والانترنيت وتفتح أمامهم أبواب التواصل مع الآخرين لتعلم ثقافات ولغات أجنبية بما يعود عليهم بالفائدة في دراستهم ومستقبلهم ايضا".
وردا على رفض بعض الآباء اهتمام أبنائهم بتعاطي التقنية الحديثة والإبحار في شبكات التواصل الأجتماعي خوفا على الآثار الجانبية على سلوكاتهم وحياتهم اليومية، أوضح الباحث أن "واقع الأمر يفرض على الآباء التماشي مع التقنية الحديثة وعدم منع أبنائهم من التكيف مع واقعهم لكن يفترض عليهم أن يكونوا شركاء معهم ينصحونهم حيث تجب النصيحة ويتواصلون معهم بافكارهم ويمنعون عنهم ما يجب أن يمنع خصوصا الهوس والإدمان الشديدين بما تقدمه هذه المواقع لما لها، في بعض الأحيان، من آثار جانبية غير محببة".
وحسب المتحدث فإن إحدى الدراسة الأمريكية حذرت قبل سنوات مستخدمى الإنترنت خاصة صغار السن من احتمالات وقوعهم فريسة لما أطلقت عليه بـ "اكتئاب الفيسبوك".
وكان المتحدث يشير إلى دراسة أجرتها الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، قبل نحو ثلاث سنوات، كشفت عن أعراض اضطراب نفسى تسيطر على بعض الأطفال يجعلهم كالمصابين بالهوس يترددون كثيراً جداً على صفحاتهم على الفيسبوك لمتابعة آخر التعليقات والمشاركات بوجه عام.
وأضافت الدراسة أن هؤلاء المصابين بهوس أو إدمان الفيسبوك يقومون بالتلصص على صور الأصدقاء وأحياناً ينخرطون فى أنشطة لم يدعوهم إليها أحد من الأساس، وهو ما قد يتسبب فى حالة من القلق والحصر النفسى وشعور بالدونية يبعث على الإحباط لدى الأشخاص الذين يعانون من انخفاض احترام الذات".
المصدر:موقع الإذاعة الجزائرية -ع. سنوسي