شهدت القمة الأمريكية الإفريقية التي اختتمت هذا الخميس نشاطا مكثفا للدبلوماسية الجزائرية لشرح المقاربات والمبادرات الجزائرية حول العدوان الإسرائيلي في غزة والأزمة الليبية والتنمية في القارة الإفريقية وقد حظيت المقاربة الجزائرية باهتمام ودعم دوليين كما تمخضت القمة عن تخصيص أكثر من 33 مليار دولار في شكل استثمارات أمريكية في القارة الإفريقية.
وقد أصدرت الجزائر إعلانا خلال قمة الولايات المتحدة/إفريقيا ،هذا نصه الكامل:
"تشيد الجزائر بمبادرة الرئيس باراك أوباما المتمثلة في تنظيم أول قمة للولايات المتحدة/إفريقيا تحت عنوان "الاستثمار في الجيل القادم" و يجب اغتنام فرصة هذه القمة لتطوير شراكة ذات منفعة متبادلة في مجالات مختلفة و تعزيز التشاور و التنسيق حول المسائل الدولية ذات الاهتمام المشترك.
يتعزز هذا الأفق بالإرادة المتقاسمة في جعل العلاقة الإفريقية-الأمريكية إحدى وسائل تعجيل حركية الاندماج القاري لإفريقيا لتمكينها من تقديم إسهامها بالكامل للتنمية العالمية.
و في هذا الإطار يتعين منح الأولوية في هذه العلاقة لترقية الاستثمارات و لإجراءات مرافقة و تسهيل الجهود الإفريقية.
بالنظر إلى مؤهلاتها و طاقتها يمكن لإفريقيا تحقيق مشروعها النهضوي و تجسيد رؤيتها الخاصة بالسلم و الأمن و التنمية اللذين تم إطلاقهما منذ إنشاء الاتحاد الإفريقي في بداية عشرية الـ 2000.
و في عالم يتسم بالشمولية تطور إفريقيا مواقف مشتركة للمساهمة بشكل إيجابي في معالجة عدة ملفات دولية على غرار ترقية السلم و الأمن و مكافحة الإرهاب و الجريمة المنظمة العابرة للأوطان و ترقية حقوق الإنسان و التغيرات المناخية و الانتقال الطاقوي و حماية البيئة و الموارد الطبيعية و نزع السلاح و حظر الانتشار و كذا إصلاح الحكم الراشد متعدد الأطراف.
وتندرج أجندة الشراكة الجديدة من أجل التنمية في إفريقيا في إطار هذا التصور من خلال فتح المجال لاستثمارات هامة في مجالات التنمية البشرية و المنشآت و الفلاحة و الصناعة و السياحة و الخدمات على الصعيدين الإقليمي و القاري.
لقد سبق لإفريقيا و أن أحرزت تقدما في تسوية الأزمات و النزاعات و إقامة دولة القانون و الديمقراطية و ترقية حقوق الإنسان و تحسين الحكم الراشد واستئناف النمو. لكن الطريق لا يزال طويلا أمامها حتى تحقق كل الأهداف التي سطرتها في مجال السلم و الأمن و النمو الاقتصادي و التنمية الاجتماعية.
كما أن حاجيات إفريقيا من حيث الإسهامات الخارجية هامة مما يستدعي شراكة معززة مع الولايات المتحدة الأمريكية ترتكز على ستة مبادئ مديرة:
1- إعطاء دفع مستمر لجهود تجديد العلاقة بين إفريقيا و الولايات المتحدةالأمريكية.
2- هيكلة الحوار حول الرهانات المتعلقة بالسلم و الأمن في إفريقيا و في العالم.
3- الاستثمار في تنمية إفريقيا للمساهمة في توسع أكبر للتجارة الأمريكية-الإفريقية في ظل عالم مستقر و آمن و متضامن أكثر.
4- ترقية تحول هيكلي للاقتصادات الإفريقية من خلال تطوير القطاعات الإنتاجية و رفع مشاركتها في الاقتصاد العالمي.
5- ضمان تنسيق وثيق و دعم لإفريقيا من أجل تمثيل ملائم في المحافل الدولية و أخذ بعين الاعتبار انشغالاتها و اهتماماتها في المفاوضات متعددة الأطراف.
6- وضع آليات مرنة لمتابعة الالتزامات التي سيتم اتخاذها مع إشراك مفوضية الاتحاد الإفريقي عن الجانب الإفريقي.
يمكن أن تتناول الشراكة المعززة الجوانب الآتية:
السلم و الأمن
خلال السنوات الأخيرة تطورت طبيعة العنف على مستوى القارة بتضاعف عدد الجماعات الإرهابية و اتصالها بشبكات المتاجرين بالمخدرات و الأسلحة و البشر.
لقد زادت المداخيل الناجمة عن هذه المتاجرة و القرصنة و دفع الفديات من قدرة الجماعات الإرهابية على إلحاق الضرر ناهيك عن استمرار بؤر التوتر في بعض المناطق الإفريقية.
تؤكد هذه الإجراءات على ضرورة مضاعفة إفريقيا لجهودها حتى تجد بنفسها حلولا لكافة المشاكل الإفريقية.
ينبغي تعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية في مجال السلم و الأمن التي سبق لها و أن حققت نتائج إيجابية للاستجابة بشكل أحسن لأولويات وحاجيات إفريقيا.
الاستثمار و التجارة
على الرغم من أن نسبة النمو المقدرة بـ 6 بالمائة التي سجلتها القارة منذ عدة سنوات مرضية إلا أنه يجب أن تكون متزايدة لتمكين إفريقيا من تقليص البطالة والفقر.
و يتعلق الأمر بالعمل مع إفريقيا على امتصاص عجزها من حيث المنشآت و تنويع اقتصادها و تعجيل إدماجها. و اعتبرت الجزائر في هذا الشأن أن تطوير المنشآت الصناعية و الفلاحية يمنح حقلا واسعا لتوسيع الشراكة مع الولايات المتحدة.
ينبغي تعزيز الإجراءات التحفيزية للولايات المتحدة الأمريكية في مجال ضمان القروض و دعم تمويل المؤسسات الأمريكية التي تستثمر في الخارج.
و سمح قانون النمو و الفرص الاقتصادية في إفريقيا برفع حجم المبادلات التجارية بين الولايات المتحدة و إفريقيا بشكل كبير و ينبغي تمديد هذا القانون و توسيعه ليشمل مجمل القارة قصد تطوير الصادرات الإفريقية خارج المحروقات نحو الولايات المتحدة.
" لا تزال هنا العديد من الجهود الواجب بذلها لتدارك العجز الكبير الذي تعاني منه إفريقيا في مجال الإنتاج و الاستفادة من الطاقة في الوقت الذي تتوفر فيه القارة على مصادر طاقة متنوعة و وفيرة.
و يتعين في هذا السياق تعزيز الشراكة للرفع من طاقات الإنتاج و مرافق النقل و توزيع الكهرباء و الغاز و كذا بغية تحسين النجاعة الطاقوية. لذا يجب تدعيم المشروع المهيكل الإقليمي لأنبوب نقل الغاز العابر للصحراء و الذي من المنتظر أن يغطي الاحتياجات الطاقوية لجزء كبير من منطقة الساحل.
و يجب أيضا العمل على ترقية شراكة ترمي إلى تطوير الطاقات المتجددة لاسيما و أن إفريقيا تتوفر على موارد مائية و شمسية و هوائية و جيوحرارية كبيرة.
إن أهمية حجم اكتشافات حقول جديدة للمحروقات تتطلب تطوير الشراكة في مجال البحث و الاستكشاف.
تعرب الجزائر عن ارتياحها للمبادرة الأمريكية "الطاقة من أجل إفريقيا"التي خصص لها 7 ملايير دولار موجهة لتوسيع مجال الاستفادة من الطاقة المستديمة.
الفلاحة
لا يزال الطريق طويلا أمام جهود قطاع التنمية الريفية لضمان الأمن الغذائي في إفريقيا. فالولايات المتحدة الأمريكية التي تولي اهتماما خاصا بقطاع الفلاحة في مسعى الشراكة مع إفريقيا مدعوة إلى تكثيف دعمها في مجال التكوين و الخبرة و تحويل التكنولوجيا و الحصول على البذور و المدخلات لا سيما باتجاه المستثمرات الفلاحية الصغيرة.
أهداف الألفية للتنمية
حققت بعض الدول الإفريقية مجمل أهداف الألفية للتنمية في حين لن يتسن لدول أخرى تحقيقها مع آفاق 2015. و في هذا الإطار يجب أن تحظى البرامج التربوية و الصحية و برامج تشغيل الشباب و تمكين المرأة بالمزيد من اهتمام الشريك الأمريكي في مجال المرافقة.
الشباب و الجالية الإفريقية في الخارج
يعتبر الشباب الأفارقة من خلال كفاءاتهم و طموحاتهم ميزة رئيسية لقارتنا في جهودها الرامية إلى تجسيد مساعيها النهضوية .ففي العشرين سنة المقبلة سيبلغ 400 مليون شاب إفريقي سن الشغل.
و من هنا تبدو أهمية الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية في تكامل جهود إفريقيا الخاصة الرامية إلى استحداث مناخ ملائم لإدماج كامل لهؤلاء الشباب في المسارات الاقتصادية.
الحكم الراشد-حقوق الإنسان-دور المجتمع المدني
حققت إفريقيا في السنوات الأخيرة إنجازات معتبرة في مجال الحكم الراشد و ترقية و حماية حقوق الإنسان و مشاركة المجتمع المدني في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية.
من المنتظر أن تتم مباشرة حوار بين إفريقيا و الولايات المتحدة الأمريكية حول التدابير الواجب اتخاذها لتعزيز قدرات الهيئات و المؤسسات الإفريقية في هذا المجال لذا فمن الضروري تقديم كل الدعم للآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء.
التغيرات المناخية و البيئة
تعتبر إفريقيا القارة الأكثر عرضة لمخاطر التغيرات المناخية إضافة إلى التحديات الأخرى التي تواجهها القارة في مجال التنمية و النمو.
إن الالتزام المرجو من الشريك الأمريكي يتمثل في مساعدة إفريقيا على تنفيذ إستراتيجية تمكنها من تجاوز انعكاسات التغيرات المناخية و العمل على حماية البيئة في إطار تحقيق تنمية شاملة و مستديمة.
العلوم و التكنولوجيا و مجتمع المعرفة
إن العجز الذي تعاني منه إفريقيا في هذا المجال يشكل عائقا كبيرا لتثمين مواردها فتبادل الخبرات و تحويل التكنولوجيا و المهارات يجب أن يحتل الأولوية في شراكتها مع أمريكا.
و من المنتظر أن تشمل الشراكة برامج تكوين و منح دراسات و مبادلات بين مؤسسات التعليم العالي و التموين المهني و البحث و كذا الدعم في مجال إنشاء مراكز امتياز و جامعة افريقية".
سلال يقيم القمة بالايجابية
و حث الوزير الأول عبد المالك سلال خلال دورة السلم و الأمن التي نظمت بمناسبة هذه القمة على تعزيز القدرات الإفريقية على تسوية النزاعات داعيا إلى تعاون متزايد مع الولايات المتحدة في مجالات المخابرات و التكوين و التجهيزات الخاصة بمكافحة الإرهاب.
كما عبر سلال الذي قيم القمة بالاجابية عن ارتياحه للرئيس الأمريكي باراك اوباما بشأن مبادرته الجديدة المتمثلة في إنشاء صندوق للشراكة في مجال مكافحة الإرهاب.
ياتي ذلك بالإضافة الى أربعة مليار دولار أخرى خصصتها المنظمات غير الحكومية الأمريكية لتعزيز صحة المرأة والطفل ومكافحة الايدز وتوفير الأمصال والأدوية في إفريقيا ليبلغ مجموع الاستثمارات التي تم رصدها لافريقيا نحو 37 مليار دولار.
أوباما:القمة نجحت في تعميق العلاقات بين أمريكا وإفريقيا لمواجهة الارهاب
وأضاف أوباما ان القمة الأمريكية الإفريقية نجحت أيضا في تعميق التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والدول الإفريقية لمواجهة الإرهاب والاتجار في البشر وأعلن أوباما عن انطلاق مبادرة جديدة للتعاون الأمني لمساعدة الدول الإفريقية في بناء قوات أمنية قوية ومحترفة لتعزيز أمن تلك الدول وهي كينيا والنيجر ومالي ونيجيريا وغانا وتونس بالإضافة الى وضع استثمارات جديدة في مجال حفظ السلام من خلال تزويد قوات حفظ السلام في الصومال بمعدات جديدة وتوسيع نطاق مبادرة شراكة الرد السريع التي تشمل الان غانا والسنغال واثيوبيا ورواندا وأوغندا وتنزانيا ودعوة دول أخرى غير افريقية للانضمام إلى تلك المبادرة.
المقاربة الجزائرية حول الأزمة الليبية تحظى بدعم دولي
وقد حظيت المقاربة الجزائرية حول الأزمة في ليبيا دعما وموافقة من البلدان الست بإيجاد حل للازمة الليبية في اطار آلية البلدان المجاورة التي أطلقت شهر جويلية الفارط بتونس داعية كل الأطراف إلى وقف فوري لإطلاق النار والشروع في مفاوضات قصد إيجاد حل للازمة.
وكان الوزير الأول عبد المالك سلال قد استعرض خلال مداخلته ولقاءاته المكثفة أثناء القمة وعلى هامشها موقف الجزائر ومقارباتها بخصوص الأزمات التي يعرفها العالم خاصة ملفا العدوان على غزة والملف الليبي هذا الأخير الذي كان محور المحادثات التي جمعت سلال بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري وقد تناول اللقاء الذي جرى بحضور وزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب الوضع في الساحل خاصة في ليبيا التي تشهد موجة من العنف.
وقد أعربت كل من الجزائر ومصر و ليبيا و المغرب و تونس و الولايات المتحدة في بيان مشترك بواشنطن عن قلقها إزاء العنف الذي خلق أزمة إنسانية وجاء في بيان كتابة الدولة الأمريكية الذي تضمن التصريح المشترك للبلدان الست"نؤيد التزام كل الأطراف بهذا الهدف بما فيها مواصلة الأعمال التي شرع فيها في إطار مسار تونس" .
وزير الصناعة :افريقيا أصبحت تحظى باهتمام دولي في مجال الاستثمار
فيما أكد وزير الصناعة و المناجم عبد السلام بوشوارب للإذاعة الجزائرية على هامش القمة على أهمية هذه القمة الإفريقية الامريكية مؤكدا أن القارة الإفريقية أصبحت تحظى باهتمام دولي نظرا لحويتها وتزايد فرص الاستثمار فيها و خروجها من المحروقات إلى مجالات أخرى في الصناعة والخدمات .
يذكر ان الوزير الأول عبد المالك سلال شارك في القمة ممثلا لرئيس الجمهورية بمداخلة حول السلم و الأمن الاقليميين شملت المقاربات الجديدة الكفيلة بمواجهة التحديات التي يواجهها الأمن بالمنطقة و الحفاظ على السلم كما قدم الوزير الأول خلال هذا اللقاء مقاربة الجزائر بخصوص تسوية النزاعات و إحلال السلام في افريقيا بمعالجة الأسباب العميقة و لا ينبغي أن ينحصر في وقف الاقتتال فقط.
و تعتبر الجزائر أن كل عمل يخدم السلم يجب أن يعمل في الوقت ذاته على ترقية الديمقراطية و الحكم الراشد و حقوق الإنسان و التنمية الاقتصادية و الاجتماعية.
المصدر: الاذاعة الجزائرية