الدكتور صايج: تغافل المجتمع الدولي على مقاربة الجزائر لتحديد مفهوم الإرهاب يعيق عملية مكافحة الظاهرة

اعتبر الدكتور مصطفى صايج أستاذ العلوم السياسية و العلاقات الدولية بجامعة الجزائر أنّ موازنة مكافحة ظاهرة الإرهاب العابرة للأوطان و إحترام المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان صعبة جدا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمجابهة تنظيمات إرهابية لاتؤمن بالمؤسسات والشرعية القانونية.

و في حوار خص به موقع الإذاعة الجزائرية  على هامش إجتماع المجموعة الإفريقية للإتحاد الدولي للقضاة الذي نظم بالجزائر 31 ماي و الفاتح جوان قال الدكتور مصطفى صايج إن المجتمع الدولي يتغافل عن المقاربات التي تريد الجزائر فرضها بخصوص تحديد مفهوم الإرهاب و هو ما يعيق -حسب الأستاذ-  مسار رسم اتفاقية دولية شاملة لمكافحة الإرهاب.

موقع الإذاعة الجزائرية : الأستاذ الدكتور مصطفى صايج تشاركون في الإجتماع العشرين للمجموعة الإفريقية للإتحاد الدولي للقضاة المنعقد بالجزائر للمرة الثانية تحت عنوان "مكافحة الإرهاب و حقوق الإنسان"،بمداخلة تحت عنوان تجريم الفدية و آليات مكافتها بين المقاربة الجزائرية و التحديات الجيوسياسية

الدكتور مصطفى صايج : " باعتبار أن الظاهرة الإرهابية ظاهرة عابرة للأوطان لا حدود ولا جنسية لها فتحتاج إلى آليات لمكافحتها و من بين الآليات التي تسعى الجزائر إلى تطبيقها كآلية لمكافحة ظاهرة الإرهاب هي تجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية، فتعمل الجزائر جاهدة على تحسيس الرأي العام الإقليمي و الدولي بضرورة تجريم دفع الفدية كألية محورية لمكافحة الإرهاب وهو ما يحسب للجزائر بشهادة الجميع في المحافل الإقليمية و الدولية، لكن مع الأسف هناك جانب آخر و هوأنه مع الأسف إلى غاية اليوم رغم وجود لائحة 19-04 للأمم المتحدة لسنة 2009 و المبادرة الجزائرية التي عرفت بمذكرة الجزائر لمنتدى مكافحة الإرهاب الشامل التي وضعت مدونة لسلوك الدول للتعامل مع عمليات اختطاف الرهائن، إلا أن المجتمع الدولي و خصوصا في بعض الدول الأوروبية لاتزال متحفظة لحسابات جيوسياسية ، فعلى سبيل المثال في الفترة الممتدة ما بين 2003 و 2004 دفعت للجماعات الإرهابية مبالغ ضخمة تقدر بحوالي 150 مليون دولار مقابل إطلاق سراح الرهائن و هذا ما يشكل بحد دافعا لإعادة تجنيد الإرهابيين من جهة و ابتزاز سياسي للكثير من الدول، و من هنا نرى بأن دفع الفدية أصبح صناعة تتحالف فيها الجريمة المنظمة مع الجماعات الإرهابية، و مع الأسف عندما نصل إلى 150 مليون دولار منها 60 ملون دولار دفعتها فرنسا لوحدها لتحرير رهائنها فالجماعات الإرهابية ستواصل البحث عن هذه الجنسيات التي تدفع و بالتالي عمليات الاختطاف مستبعد أن تزول و عليه نتوقع تزايدها ما دام هذه الدول لم تقتنع بعد بأهمية تجريم الفدية.

موقع الإذاعة الجزائرية : كيف تقيمون سياسات وإستراتيجيات مكافحة الإرهاب عبر العالم ؟

"لقد مرت استراتيجيات مكافحة الإرهاب بعدة مراحل و المجتمع الدولي خصوصا المجتمع الغربي فهو مجتمع براغماتي، فقبل ما تمسه آفة الإرهاب  لم يكترث للظاهرة في الوقت الذي كانت الجزائر تنادي و تدعو إلى تكاثف الجهود من أجل محاربة الجماعات الإرهابية، أما الآن بعد كل الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها عدة عواصم مثل مدريد و لندن و باريس و واشنطن و نيويورك، نرى تهافت و تسابق الدول على سن القوانين واللوائح ولا يخفى على أحد التعبئة التي قام بها الفرنسيون عقب الحادثة الأخيرة لمجلة شارلي إيبدو، فاستطاع الفرنسيون تعبئة المجتمع الدولي في مسيرة من أجل شخصين قاما بضرب مجلة و متجر بينما عانت الجزائر و دفعت أكثر من 200 ألف قتيلا و ما يفوق 60 مليار كخسائر للوضع الكارثي التي عاشته خلال التسعينيات من القرن الماضي.

وعليه فإن المجتمع الدولي أصدر الكثير من القوانين و الآليات و لكن تبقى في تقديري أنه إلى غاية اليوم المجتمع الدولي لم يتفق على تحديد اتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب، و هذا راجع أساسا للمقاربات التي تريد الجزائر فرضها و هي الفصل بين الظاهرة الإرهابية و المقاومة و الفصل بين الإرهاب و الإسلام كدين حنيف لا يمكن أن يشكل تهديد للعالم .

وأعتقد أن التدخلات الخارجية أمريكية أو فرنسية سواء في العراق و سوريا أو في مالي و ليبيا و هي التي أدت إلى تصعيد الظاهرة الإرهابية، بحيث انتقلنا من الجيل الثاني للأفغان العرب في العراق و سوريا و بعض الأوطان العربية إلى الجيل الثالث للظاهرة الإرهابية المتمثلة فيما يسمى بداعش التي تتركز أساسا في المناطق النفطية الحيوية، و من هنا تظهر صعوبة محاربة الإرهاب في الوقت الذي لا تزال فيه بعض القوى الغربية تستخدم التدخل باسم الحفاظ على حقوق الإنسان وأشير هنا إلى أن حقوق الإنسان يقتضي المحافظة على سيادة الشعوب و لا أن ندمر مؤسساتها القائمة، و مع الأسف كل الآبار النفطية من بغداد إلى طرابلس كلها تدمر باسم الحفاظ على حقوق الإنسان و هذا ما يعطي ملذات آمنة للجماعات الإرهابية".

ما قراءتكم للمساعي الإقليمية على مستوى منطقة الساحل في مجال مكافحة الإرهاب و الجريمة المنظمة؟

"على مستوى منطقة الساحل للأسف خصوصا بعد التدخل في ليبيا انعكس مباشرة على الحلقة الأضعف و هي شمال مالي و حتى شمال النيجر وموريطانيا، إذن منطقة الساحل بهذا المنظار تشكل تحديا أمنيا للأمن القومي الجزائري و كذا تحدي أمني لجنوب دول أوروبية و عليه أقول أن الإرهاب للأسف سيتنامى أكثر في ظل غياب المؤسسات السياسية و في غياب الحل السياسي و تسوية السلمية للنزاعات و إذا نظرنا بشكل تفاؤلي أي نتيجة حاسمة لما يجري في شمال مالي من تسوية إتفاق أو مسار الجزائر سيعطي متنفسا لتقويض الجماعات الإرهابية، لكن هذه الأخيرة ستجد ملذات في المناطق الرمادية التي تغيب فيها المؤسسات و أين تجد حكومات مركزية فاشلة لايمكنها بسط نفوذها الأمني و السياسي و الإقتصادي على ترابها".

 موقع الإذاعة الجزائرية : هل يمكن فعلا مكافحة ظاهرة الإرهاب في ظل احترام حقوق الإنسان ؟

"في الحقيقة هي ثنائية فيها الكثير من الجدل أولا على مستوى مكافحة الإرهاب على أساس أن الدولة أو المجتمع الدولي لديه الشرعية في احتكار العنف بحكم أن الدولة بالمفهوم السياسي و القانوني أنها تحتكر أدوات العنف و تمارسها بطريقة شرعية و بالتالي فالعنف الشرعي يعتبر من حق الدولة، لكن المشكل عندما نكون أمام جماعات تمتلك السلاح و لاتؤمن بشرعية القوانين و لا المؤسسات فهنا تكمن صعوبة التعامل مع الجماعات الإرهابية، فالمسألة من الناحية الأمنية و الواقعية فيها الكثير من الجدل لكن تبقى المحاكمات العادلة و التحقيقات هي التي يمكنها أن تؤدي إلى شرعية الدولة في احتكارها للعنف كوسيلة وفق الأطر القانونية ".  

المصدر: موقع الإذاعة الجزائرية/ ليليا مجاوي

الجزائر