احيت الجزائر اليوم الذكرى الـ 54 لمظاهرات السابع عشر اكتوبر 1961 التي راح ضحيتها مئات الجزائريين الذين خرجوا مطالبين بالاستقلال وجوبهوا بالقمع من قبل الشرطة الفرنسية التي رمت العشرات منهم في نهر السينبالعاصمة الفرنسية باريس.
وبهذه المناسبة إعتبر وزير المجاهدين الطيب زيتوني من بشار التي احتضنت المراسم الرسمية للاحتفال بهذه الذكرى أن احياء اليوم الوطني للهجرة هو بمثابة قسم للجزائر.
وأوضح الوزير خلال ندوة تاريخية حول مظاهرات 17 أكتوبر 1961 احتضنها المتحف الجديد للمجاهد ببشار أن الإحتفال هذه السنة بهذه الذكرى التاريخية تحت شعار "17 أكتوبر قسم والتزام " يشكل قسم للجزائر و وفاء لرسالة الشهداء والتزام مع الدولة الجزائرية تحت قيادة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة.
وأضاف أنه ومنذ الإستقلال ولأول مرة تحتضن ولاية بشار الإحتفالات والتظاهرات الوطنية المخلدة لمظاهرات 17 أكتوبر 1961 "وهي الرسالة التي نحملها للدلالة بأن التضحيات المقدمة تعكس وحدة الشعب الجزائري".
وأكد وزير المجاهدين في تدخله أمام جموع من المجاهدين وأبناء الشهداء وباحثين في التاريخ وممثلي المجتمع المدني " أن إحياء هذه الذكرى التاريخية من الكفاح السياسي والعسكري للشعب تحت قيادة حزب جبهة التحرير الوطني و جيش التحرير الوطني هو رسالة لاستدامة نضالات شعبنا وفي الوقت ذاته رسالة نوفمبر 1954 التي تبلغ إلى الأجيال الناشئة".
وفي هذا السياق يورد المجاهد بشير درداج بن أحمد الذي عايش مظاهرات 17أكتوبر من العاصمة باريس تفاصيل المجزرة التي ارتكبتها القوات الاستعمارية في حق المهاجرين، وملخصا بشاعتها في"القمع والوحشية اللذين سجلهما نهر السين في جرائم التاريخ البشري "، فيما تطرق الاستاذ والباحث احمد عثمان في محاضرة نظمها المجلس الإسلامي الأعلى حول المساهمة الادبية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا إبان الثورة التحريرية المباركة في دعم الثورة في الجزائر، إلى دور المهاجرين الجزائريين في النضال السياسي والوجودي إذ" كان المهاجر يساهم وينخرط في الحزب وفي الحركة الوطنية ويشارك ويدفع مبالغ مالية من أجل الاشتراك والمساهمة في تمويل الحزب.وأنه كان يرسل الى عائلته بالجزائر خمسين بالمائة من الاجرة التي كان ينقاضاها ، فكان يوزع أجرته بين النضال وبين المحافظة على عيش عائلته بالجزائر،هذه المساهمة المالية - حسب نفس المتحدث - بدأت مع جريدة الامة في 1930، ثم مايسمى"l'étoile algerienne "، ثم مع جريدة المغرب العربي."وتلا هذه المجزرة اللاإنسانية "صمت منظم" بهدف كبت الأحداث ، كما أكد ذلك المؤرخ الفرنسي جيل مانسيرون في كتابه"الصمت الثلاثي إزاء مجزرة".
وتطرق المؤرخ إلى هذه الأحداث التي بلغت "خطورة لا مثيل لها" ، بحيث ذكر المراقبة المفروضة على الصحافة والتعليمات القضائية "غير المستوفية"وصعوبة الوصول إلى الأرشيف.
وفي سنوات التسعينات عاد الحديث عن هذه الأحداث إلى الواجهة في إطار محاكمة موريس بابون (1997-1998) بتهمة المشاركة في جرائم ضد الإنسانية خلال الإحتلال الألماني،كما أكد شهود على مسؤوليته المباشرة في مجازر 17 أكتوبر.
حــــرب أرقــــــام
بالرغم من مرور نصف قرن من الإستقلال فإن حجم هذه الأحداث لا يلقى الإهتمام اللازم بسبب الخطاب الفرنسي الذي قلص من أهمية هذه الجرائم الوحشية إلى أبسط تعبير. وهذا ما تجلى في إحدى عناوين جريدة "لوفيغارو"استنادا إلى أرقام قسم الشرطة "قتيلان اثنان و44 جريحا و توقيف 7.500 شخص من شمال إفريقيا".
وخلال محاكمة بابون كلف وزير الداخلية جون بيار شوفانمون لجنة بدراسة وثائق الشرطة التي أشارت الى أن "عشرات"الموتى من بين المتظاهرين الجزائريين عددهم 40 بل"ليس أكثر من 50 ضحية".
وتم فيما بعد إنشاء لجنة تحقيق أخرى استخلصت أن"48 شخصا على الأقل" قتلوا ليلية 17 إلى 18 أكتوبر ، مؤكدة أن هذا الرقم "قد يكون اقل"من الحقيقة بما انه لم يتم التأكد من أن"جميع الأشخاص الذين رميوا تم العثور على جثثهم".
وحاول مؤرخ فرنسي جون بول بروني أيضا التقليل من المأساة من خلال تقييم عدد القتلى ب30 إلى 50 شخص في خلاصة "تلقت استنكارا كبيرا" ، لاسيما من الجانب الجزائري وأيضا من طرف بعض الفرنسيين.
ولأول مرة تم تقديم حصيلة أثقل سنة 1991 من الجانب الفرنسي من طرف جون لوك اينودي خلال اصداره لـ"معركة باريس 17 أكتوبر 1961"، حيث تطرق إلى 200 قتيل تم إحصاؤهم على أساس أرشيف جبهة التحرير الوطني وشهادات أخرى وبالنسبة لفترة سبتمبر-أكتوبر1961 أعطى المؤرخ عدد 325 قتيل من بين الجزائريين.
وقد تجاوز عدد ضحايا عنف الشرطة 300 شخص حسب الجانب الجزائري ، في حين أن شهادات أشخاص نجوا من الموت خلال ذلك اليوم تشير الى طرق وحشية لامثيل لها بأمر من موريس بابون واصفين مناظرا بشعة لعشرات الجثث الطافية فوق مياه نهر لاسان أوجذبهم التيار إلى غاية "لا مونش".
بشاعة جعلت مؤرخين بريطانيين جيم هوز ونايل ماك-ماستر يكتبان في"الجزائريين ، الجمهورية ورعب دولة"الذي صدر سنة 2008، أن الأمر يتعلق"بأعنف قمع دولة لم تسببه أبدا من قبل مظاهرة شارع بأوروبا الغربية في التاريخ المعاصر".
اعتـــراف لا سابــق له في انتظــــار الاعتذارات
في سنة 2012 عشية الذكرى الـ 51 للمجزرة صرح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن فرنسا "تعترف بكل وعي""بالمأساة" التي تمثلت في قمع دموي تعرض له جزائريون كانوا يتظاهرون من اجل حقهم في الاستقلال.
وتعلق الأمر إذا بأول اعتراف رسمي"لمسؤولية الدولة الفرنسية في قمع حدث جرى خلال الحقبة الاستعمارية.
وغداة هذا الاعتراف الذي لاسابق له أشاد الوزير الأول عبد المالك سلال بـ"النوايا الحسنة" التي أظهرتها فرنسا لطي الصفحة بخصوص هذه الأحداث المؤلمة ولكن هذا لايعني نسيان ذلك من طرف الجزائريين الذين مازالوا ينتظرون "اعتذارات رسمية" على جميع الجرائم الاستعمارية التي تشكل النقاط السوداء للاستعمار الفرنسي،حسبما أكده السيد سلال.
وفي برقية وجهها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة شهورا قليلة من قبل إلى نظيره الفرنسي بمناسبة الاحتفال بذكرى 14 يوليو قال فيها انه"آن الأوان" للقيام بدراسة "واعية وشجاعة" للماضي بين البلدين وهذا في إطار أفق تعزيز علاقات"التقدير والصداقة".
المصدر : الاذاعة الجزائرية + واج