دعا رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، هذا الأربعاء، الدول النامية إلى الاضطلاع بدورها كمدافع عن تطلعات شعوبها و حقوقها الأساسية ضمن التغييرات الكبيرة التي ستطرأ على بنية العلاقات الدولية و التي تنبئ بها الآثار غير المسبوقة لجائحة كورونا.
و خلال تدخله عبر تقنية التحاضر عن بعد، في أشغال "القمة الصينية -الإفريقية الاستثنائية المخصصة للتضامن من أجل مكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد"، أكد رئيس الجمهورية على أن الأزمة الحالية لجائحة كورونا "ليست أزمة صحة فقط بحكم التحديات الراهنة التي تفرضها آثارها غير المسبوقة على كافة الأصعدة الاجتماعية و الاقتصادية" و هي آثار "تنبئ بإحداث تغييرات كبيرة في بنية العلاقات الدولية".
و لفت الرئيس تبون إلى أن هذا الأمر "سيكون له بالغ الأثر على نظام الحكومة العالمية مستقبلا"، ليجدد في هذا السياق تأكيده على أهمية إرساء منظومة العمل متعدد الأطراف التي "تسمح للأمم و الشعوب بالتعبير عن تطلعاتها و طرح انشغالاتها و تعزيز دورها لمجابهة التحديات الناشئة و ركائز نظام عالمي تلعب فيه البلدان النامية الدور الذي يليق بها كفاعل أساسي في تعزيز السلام و الأمن الدوليين و كمدافع عن آمال و تطلعات شعوبها و حقوقها الأساسية".
و من شأن هذه المعادلة تحقيق الأهداف المرجوة "بما يخدم التنمية و الاستقرار و العيش الكريم في أرجاء افريقيا و العالم"، يقول رئيس الجمهورية.
كما خص الرئيس تبون العلاقات التي تجمع بين البلدان الإفريقية و الصين بحيز من مداخلته، حيث ذكر بأنها "قطعت خلال العقود الماضية مراحل زاخرة بالتضامن و التعاون"، ليشير إلى تواصل هذا التضامن و الدعم المتبادل مع تفشي جائحة كورونا.
و في هذا الإطار، ذكر رئيس الجمهورية بأن الدول الإفريقية، عملت منذ بداية الأزمة الصحية في الصين على "تقديم دعمها المادي و المعنوي و السياسي" لهذا البلد.
و من جهتها، "كانت الجزائر من أوائل البلدان التي عبرت عن تضامنها الكامل مع الصين في تلك الظروف الصعبة مشددة، في الوقت ذاته، على أن يكون تقييم المجتمع الدولي للوضع الناجم عن الوباء موضوعيا و بعيدا كل البعد عن التسييس"، يقول الرئيس تبون.
و في سياق ذي صلة، ذكر رئيس الجمهورية بأن هذه القمة غير العادية تنعقد و القارة الإفريقية تواجه، على غرار العالم بأسره، ظرفا عصيبا جراء تفشي هذه الجائحة التي "امتدت تداعياتها إلى كافة مقومات الحياة"، ليتابع بالقول "إنني لعلى يقين أننا سننتصر عليها بتضافر الجهود و تكثيف التعاون".
و على المستوى الوطني، ثمن الرئيس تبون الإجراءات التي تم اتخاذها للتصدي لوباء كورونا، حيث "واجهت الجزائر هذا الوباء بحزم، منذ الوهلة الأولى".
فبالإضافة إلى اتخاذها لجملة من القرارات لتعزيز التدابير الوقائية، أكد رئيس الجمهورية أن الجزائر "تجاوزت الظروف الصعبة في البداية بتضامن و تضافر كل الجهود الوطنية، و كذا اعتمادا على ابتكارات شبابها، لتصبح اليوم في اكتفاء ذاتي فيما يخص وسائل الوقاية وإنتاج الأدوية و وسائل الفحص"، مستدلا بنجاح شركة جزائرية مؤخرا في ابتكار و تسويق وسائل الفحص محليا.
أما على المستوى الإقليمي، أشار رئيس الجمهورية إلى أن الجزائر قامت بالتنسيق مع دول الجوار و الدول الصديقة بمساعدتها في بلورة خطة عمل تسمح بالتقليل من حدة آثار هاته الجائحة.
كما استعرض أيضا مختلف الآليات التي تم إرساؤها على المستوى الإفريقي لمواجهة هذه الجائحة و التي واجهت، من خلالها، دول القارة هذا الظرف الاستثنائي، على غرار إنشاء صندوق لتمويل جهود مكافحة الوباء ساهمت فيه الجزائر ماليا.
و لذات الغرض، تم تخصيص مبالغ هامة من ميزانية الاتحاد الإفريقي لحشد الإمكانيات و الجهود لمكافحة الوباء، و على رأسها تعزيز قدرات المركز الإفريقي لمراقبة الأمراض و الوقاية منها و تعيين مبعوثين خاصين للاتحاد الإفريقي، من بينهم الوزير الجزائري الأسبق، عبد الرحمان بن خالفة.
وفي هذا الصدد، حرص الرئيس تبون على الإشادة بالجهود المتواصلة لدولة جنوب إفريقيا التي تترأس حاليا الاتحاد الإفريقي، والقيادة المتبصرة لرئيسها سيريل رامافوزا.
و فيما يتعلق بالجانب الصيني، أشاد الرئيس تبون بالمكانة "المميزة" التي خص بها الرئيس الصيني القارة الإفريقية خلال مشاركته يوم 18 مايو المنصرم في الدورة 73 للمنظمة العالمية للصحة.
و تجلى ذلك خاصة من خلال دعوته للمجتمع الدولي بإعطاء الدول الإفريقية الأولوية القصوى في إطار مكافحة جائحة كورونا، مع تعهده بإنشاء آلية للتعاون بين المستشفيات الصينية و نظيراتها الإفريقية، إلى جانب توسيع مشروع المركز الإفريقي لمكافحة الأوبئة بغية تعزيز قدرات البلدان الإفريقية في مجال الوقاية من الأوبئة و السيطرة عليها.
و بعد أن أكد على أن الجزائر تشدد على "أهمية وصول اللقاحات إلى البلدان النامية و بالأخص منها الإفريقية و في الوقت المناسب"، ثمن رئيس الجمهورية تعهد نظيره الصيني بجعل اللقاحات التي يتم تطويرها في بلاده ضد فيروس كورونا بمثابة ملكية عمومية عالمية.
و عاد الرئيس تبون لاستعراض الوضع الصحي الراهن بالقارة السمراء، نتيجة انتشار كورونا، حيث أشار إلى انه و "على الرغم من النتائج الإيجابية المحققة لغاية الآن، لا تزال العديد من المناطق في قارتنا بحاجة إلى المزيد من المساعدة لمواجهة تفشي هذه الجائحة و غيرها من الأمراض و الأوبئة وكذا إلى تبادل التجارب و الخبرات و تطوير آليات الإنذار المبكر و تعزيز القدرة الشاملة على الوقاية و العلاج و كذا تخفيف عبء ديونها التي تعيق وضع استراتيجية تمكنها من مواجهة تفشي الوباء و تداعياته".
و قال بهذا الخصوص "يقع على عاتقنا تعزيز التنسيق، بما يسمح بدعم التعاون في إطار أجندة إفريقيا 2063، +افريقيا التي نريد+، و أجندة التنمية المستدامة 2030 للأمم المتحدة و الاستراتيجيات التنموية الوطنية للصين و الدول الإفريقية لتنفيذ المشاريع ذات المنفعة المشتركة".
و بالمناسبة، أكد الرئيس تبون أن الجزائر تدعو المؤسسات المالية الدولية إلى "فك الخناق عن الدول النامية، الافريقية منها بالأخص"، من خلال تبني جملة من المبادرات التي تشمل "التخفيف من عبء ديونها و مرافقتها في سياساتها الوطنية لما بعد كوفيد-19، و تسخير تمويلات تسمح لها بإعادة تأهيل قنوات التمويل و التسويق وكذا النهوض باقتصادياتها بعد الركود الذي عرفته خلال الأشهر الأخيرة".
كما لفت في هذا الصدد إلى أن الدول الإفريقية تعاني من نقص في التمويل الذي تعد "في حاجة ملحة إليه، للمضي قدما نحو أهداف التنمية المستدامة و أهداف أجندة إفريقيا 2063".