حلل الباحث محمد سعيد بوسعدية في مؤلفه "مسار المؤسسة التشريعية في الجزائر" علاقة الجهاز التشريعي بالسلطة التنفيذية وتأثريها على العمل البرلماني منذ استرجاع السيادة الوطنية إلى اليوم.
ومن خلال دراسة نقدية تاريخية للعمل البرلماني، حاول الباحث في مؤلفه الذي جاء في 351 صفحة الصادر عن دار "البلاغة" ،تقييم التجربة التشريعية في الجزائر، بداية من إنشاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية وصولا إلى البرلمان ذي الغرفتين، محللا تأثير الأحداث السياسية التي شهدتها الجزائر على توازن المؤسسات الدستورية.
وينطلق البحث المدعم بمرجعية قانونية وتاريخية كبيرة، من التدقيق التاريخي والنقدي لمختلف مراحل تطور المؤسسة البرلمانية في الجزائر، حيث خصص السيد بوسعدية فصلا كاملا لكل مرحلة تاريخية، بداية من مرحلة المجلس الوطني للثورة الجزائرية (20 أغسطس 1956 إلى 5 يوليو 1962)، وصولا إلى البرلمان ذي الغرفتين.
ولأجل ذلك، درس المؤلف الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مهدت لإنشاء المؤسسات التشريعية وحلها وانتقالها من طبيعة قانونية إلى أخرى، مع تحليل لتشكيلتها البشرية من حيث الانتماء السياسي ومعدل العمر والجنس أيضا، إلى جانب إجراء تقييم معمق لإدائها البرلماني وذلك عقب تحليل علاقة المؤسسة التشريعية بالجهاز التنفيذي مع تحديد مدى استقلالية العمل البرلماني عن الممارسة الإيديولوجية.
وبناء على ذلك، يرى الباحث أن "استقرار المؤسسة التشريعية بقي مرهونا باستقرار المؤسسة التنفيذية"، وهو ما يدل - يقول المؤلف- على "ارتباط كل مؤسسة تشريعية عرفتها الجزائر عبر مسارها برئيس البلاد، حيث ارتبط المجلس الوطني للثورة بالرئيس أحمد بن بلة ومجلس الثورة بالرئيس هواري بومدين والمجلس الشعبي الوطني في حلتيه الدستورية 1976 و 1989 بالرئيس شادلي بن جديد و المجلس الأعلى للدولة بالرئيسين محمد بوضياف وعلى كافي و المجلس الوطني الانتقالي بالرئيس ليامين زروال و البرلمان ذو الغرفتين بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
من جهة أخرى، استخلص السيد بوسعدية أن أكبر حصيلة قانونية عرفتها الجزائر كانت في عهد مجلس الثورة (10يوليو 1965 إلى 25 فبراير 1977)، ملاحظا أن أغلب القوانين الصادرة منذ الاستقلال إلى اليوم يحمل "طابعا حداثيا" والقلة منها لها صبغة دينية.
كما أشار إلى أن المهمة الرئيسية لكل المؤسسات التشريعية التي شهدتها البلاد بعد الاستقلال تمثلت في الإعداد و التصويت على القوانين و تبقى المهام الأخرى نسبية خاصة المهمة الرقابية التي تعد ، حسبه، الحلقة "الضعيفة" للمؤسسة التشريعية.
وعن طبيعة القوانين الصادرة، أشار السيد بوسعدية إلى أن فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي طغى عليها الجانب الإيديولوجي الاشتراكي، في حيت تميزت القوانين الصادرة في التسعينات والألفية الجديدة بطابع ليبرالي وهو ما يعكس، كما قال، التوجهات السياسية للبلاد.
كما تميزت جل المؤسسات التشريعية- يضيف الكاتب- بهيمنة ذكورية، واصفا الأمر ب "ظاهرة أنثروبولوجية تمتاز بها أغلب المؤسسات التشريعية في العالم خاصة العربية و الإسلامية منها".
وخلص الباحث إلى أن الجهاز التشريعي في الجزائر أضحى في "أمس الحاجة إلى الاستقرار المؤسساتي و الممارسة السيادية للمهام الدستورية المخولة له و السعي من أجل حل أزمة الثقة مع الرأي العام والمساهمة بذلك في معالجة مسألة العزوف الانتخابي".
و أكد بوسعدية أنه يسعى من خلال بحث علمي، اثراء المكتبة الوطنية وتقديم "دليل عملي" للنائب بالمجلس الشعبي الوطني وعضو مجلس الأمة وكل مثقف ومتحزب شغوف باكتشاف آليات الممارسة التشريعية ومؤسساتها.
محمد سعيد بوسعدية من مواليد 21 ديسمبر 1960، بالجزائر العاصمة و هو خريج المدرسة الوطنية للإدارة.
الكاتب حاليا متقاعد بعد تجربة مهنية دامت خمسة وثلاثين سنة في مجال المراقبة المالية وهو صاحب كتاب "مدخل إلى دراسة قانون الرقابة الجزائري" الصادر سنة 2014 .
المصدر : وأج