افتتحت صباح هذا الخميس مكاتب الاقتراع أمام أزيد من 24 مليون جزائري للإدلاء بأصواتهم من أجل اختيار رئيس الجمهورية لعهدة تمتد لخمس سنوات.
ويأتي هذا الاستحقاق في ظروف مميزة وأحداث متسارعة عرفتها سنة 2019، سيما على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وهي الانتخابات التي يعتبرها العديد من الملاحظين "حاسمة ومصيرية" لإخراج البلاد من الانسداد السياسي الذي تعيشه حاليا ولاستكمال مسعى بناء دولة الحق والقانون.
ويعتبر اقتراع 12 من ديسمبر ثالث موعد يضرب للشعب الجزائري في غضون سنة واحدة من اجل اختيار من يفوز بمقعد المرادية وبعد ما تم إلغاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في أفريل الماضي على اثر الحراك الشعبي الذي أفضى بتنحي الرئيس السابق ثم إعلان المجلس الدستوري استحالة إجرائها في جويلية 2019.
ويتنافس على منصب رئيس الجمهورية خمسة مترشحين هم ( حسب التسلسل الأبجدي) : بلعيد عبد العزيز رئيس جبهة المستقبل ، بن فليس علي رئيس حزب طلائع الحرية و رئيس وزراء سابقا ، بن قرينة عبد القادر رئيس حزب العدالة و البناء ، تبون عبد المجيد رئيس الوزراء الأسبق وميهوبي عز الدين وزير للثقافة والأمين العام لحزب التجمع الوطني الديموقراطي.
و وصل عدد الهيئة الناخبة بعد المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية 24.308.357 ناخب حسب ما أعلنته الهيئة المستقلة للانتخابات ، 54.36 بالمائة منهم هم من الرجال ، و تبلغ نسبة الناخبين الذين تفوق أعمارهم 50 سنة 39 بالمائة اما الناخبون الذين تتراوح اعمارهم بين 18 و 40 سنة فقد بلغت نسبتهم 40 بالمائة .
ولانجاح هذا الموعد الهام تم تسخير 61.041 مكتبا للتصويت منها 163 متنقلا عبر 13.181 مركزا للتصويت من أجل السماح للناخبين بأداء واجبهم الانتخابي ، ويشرف على تأطير العملية الانتخابية قرابة 501.031 مؤطرا .
هذا وتضم الهيئة الناخبة بالخارج التي شرعت في أداء واجبها الانتخابي منذ بداية الأسبوع 914089 ناخبا موزعين على 60 مركز و395 مكتبا للتصويت.
لأول مرة..سلطة مستقلة للانتخابات
وكان رئيس الدولة عبد القادر بن صالح أعلن في منتصف سبتمبر الماضي تاريخ هذا الاستحقاق واستدعى له الهيئة الناخبة ، وبعد مشاورات قام بها ومصادقة البرلمان ، وكذا استشارة المجلس الدستوري، اضافة إلى التقرير المنجز من قبل الهيئة الوطنية للحوار والوساطة تم انشاء سلطة وطنية جديدة "السلطة المستقلة للانتخابات " لكي تتولى تنظيم الانتخابات بطريقة مستقلة عن كل الادارات العمومية بما فيها وزارة الداخلية ابتداء من استدعاء الهيئة الناخبة الى غاية اعلان النتائج النهائي وذلك لإضفاء شفافية واستقلالية أكبر لرئاسيات 12 ديسمبر.
وتعهدت السلطة المستقلة للانتخابات بضمان شفافية و نزاهة العملية الانتخابية من خلال اتخاذها عدد من الإجراءات الجديدة التي تسعى من خلالها إلى تأمين نتائج العملية في كل مكاتب الانتخاب ونقلها بطريقة آنية للسلطة المركزية عبر تطبيق الكتروني .
كما تم تمرير عدد من التعديلات في القانون العضوي الانتخابات من أجل ضبط شروط الترشح وكيفيته ، ولعل أهم الإجراءات الجديدة المتضمنة في التعديل إلزام المترشح لرئاسة الجمهورية بإرفاق شهادة جامعية أو شهادة معادلة لها في ملف ترشحه الذي يتوجب ايداعه شخصيا لدى هذه السلطة.
وكذا تقليص عدد استمارات اكتتاب التوقيعات المواطنين الواجب تقديمها مع ملف الترشح إلى خمسين ألف توقيع فردي، بدلًا من ستين ألفا ، تجمع في 25 ولاية على ألا يقل مجموع توقيعات كل ولاية على حده 1200 توقيع ، مع إلغاء التوقيعات الخاصة بالمنتخبين "600 توقيع" .
وبعد تحييد الإدارة ممثلة في وزارة الداخلية والجماعات المحلية من عملية تنظيم ومراقبة الانتخابات وتحويل كل الصلاحيات للسلطة المستقلة للانتخابات قامت هذه الأخيرة بإلزام المترشحين الخمس والأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات على توقيع ميثاق اخلاق الممارسات الانتخابية وميثاق الصحافة من أجل حملة انتخابية نظيفة من اي شكل من اشكال القذف أو التضليل .
ميثاق أخلاقيات الممارسات الانتخابية
وشهد المسار المفضي إلى هذه الانتخابات الرئاسية -ولأول مرة أيضا- التوقيع على ميثاق أخلاقيات الممارسات الانتخابية من قبل كل من رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات ، محمد شرفي ، و المترشحين الخمس لمنصب رئيس الجمهورية وممثلي وسائل الاعلام.
ويقوم هذا الميثاق على أساس "الاحترام العميق والمستدام للمسار الديمقراطي وعلى الامتثال للقوانين والنصوص التطبيقية التي تنظم قواعد الانتخابات والحملات الانتخابية".
وتشير الوثيقة الى أن المقصود بالسلوك الأخلاقي المتعلق بالعملية الانتخابية و "احترام المبادئ الديمقراطية الأساسية من خلال حرية ممارسة الحقوق الديمقراطية دون ترويع، لاسيما الحق في الترشح والحق في التصويت وسريته وشفافية تمويل الحملات الانتخابية واستقلالية وحياد المؤسسة المكلفة بالانتخابات والمصالح التابعة لها".
وبموجب الميثاق، يلتزم الفاعلون المشاركون في المسار الانتخابي بجملة من الضوابط من بينها "مبادئ الانتخابات الحرة والنزيهة" مع "التقيد بالقوانين الانتخابية والسعي لتعزيز ثقة المواطن في العملية الانتخابية والدفاع عن الحقوق الديمقراطية للجزائريين".
كما يؤكد الميثاق، أنه يتعين على الفاعلين المشاركين في المسار الانتخابي "بذل كل الجهود اللازمة قصد ضمان إدارة تصويت لائق ومنصف وضمان طابعه السري"، كما يجب عليهم التصرف "ّعلى نحو يعزز نزاهة النظام الانتخابي".
مناظرة تليفزيونية
ومن اجل تقديم صورة أوضح عن توجهات المترشحين الخمسة لمنصب رئيس جمهورية وبرامجهم المقترحة بادرت السلطة المستقلة للانتخابات إلى تنظم مناظرة تلفزيونية هي الأولى من نوعها في تاريخ الانتخابات بالجزائر أتيح فيها المجال للإعلاميين الجزائريين لطرح أسئلة تتعلق بالسياسة العامة و بالإستراتيجية الاقتصادية المعول اتخاذها من طرف المرشحين في حال فوزهم بالإضافة إلى أهم الملفات الاجتماعية التي تشغل الجزائريين كالتربية والتغطية الصحية والتشغيل ناهيك عن العلاقات الخارجية للبلد .
ضمانات من أجل الشفافية
و كان رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات, محمد شرفي, قد اكد يوم الاثنين الماضي أن السلطة وفرت "ضمانات" من أجل ضمان شفافية اقتراع 12 ديسمبر من خلال الطابع المستقل لهذه الهيئة, التي تم تنصيبها مثلما ينصب رئيس الجمهورية", موضحا أن هذا التنصيب يعني أنها "مستقلة فعلا عن كل وصاية من الدولة مهما كان شكلها و مهما كانت طبيعتها".
وقال بان أولى الضمانات تتمثل في "الاستقلالية التامة على المستوى المؤسساتي", فيما تكمن الضمانة الثانية في كون السلطة "تتحكم كليا في الوسائل التي تراها ضرورية لأداء هذه المهمة" لاسيما الوسائل المالية و اللوجستية.
من جانبها أكدت السلطات العمومية, اتخاذ كافة التدابير الأمنية والتنظيمية, بهدف إنجاح الانتخابات الرئاسية و ضمان السير الحسن للعملية الانتخابية بما يتيح للجزائريين أداء واجبهم الانتخابي في أحسن الظروف.
وفي هذا الصدد, حذر نائب وزير الدفاع الوطني, رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي, الفريق أحمد قايد صالح "العصابة وأذنابها وكل من تسول له نفسه المساس بهذا المسار الدستوري أو عرقلته للزج بالبلاد في مسارات محفوفة بالمخاطر, من خلال التشويش على الانتخابات أو محاولة منع المواطنين من ممارسة حقهم الدستوري".
وشدد الفريق على أن "العدالة وكل أجهزة الدولة ستكون بالمرصاد لهم", مضيفا بالقول "سنعمل مسنودين بشعبنا الأبي على اجتثاث جذور العصابة وأذنابها التي تظهر ما لا تبطن, بل لا زالت تضمر حقدا دفينا وكراهية للبلاد, وتلعب أوراقها الأخيرة أملا منها في تنفيذ مخططاتها الخسيسة".