يختزل الجزائريون الذين نفتهم فرنسا الاستعمارية إلى كاليدونيا الجديدة منذ نحو 157 عامًا، قسوة قانون النفي الذي يعتبر جزءً من ترسانة القمع التي سنّتها الكولونيالية الفرنسية ضدّ الجزائريين.
ما تعرّض إليه الجزائريون من ترحيل إجباري إلى جزيرة كالدونيا الجديدة بين عامي 1864و1897 على ضوء قانون النفي الاستعماري الصادر في 1854، هو "واحد من القوانين الفرنسية التي قنّنت القمع تمامًا مثل قانون (الأنديجينا) المعروف بلائحة كريميو، إضافة إلى قانون التجنيد الإجباري".
ويكشف الأستاذ الباحث "مصطفى كمال التاوتي" عن قيام الفرنسيين بنفي نجلي الشيخ الحداد، محمد وعزيز، مع 2104 مجاهدين جزائريين إلى ميناء طولون بفرنسا، عبر رحلة بدأت من ميناء وهران أواسط شهر جوان 1873، قبل أن يتم استكمال ترحيلهم إلى الأراضي الكاليدونية في ظروف كارثية.
ويضيف "التاوتي" أنّ فرنسا الاستعمارية قامت بتقسيم الجزائريين إلى مناطق متفرقة في كاليدونيا، حيث جرى الزجّ بقدماء المقاومين في جزيرة الصنوبر، مثل أتباع الشهيد الشيخ المقراني والشهيد الشيخ الحدّاد الذين لم يتمكّنوا من العودة إلى أرض الوطن إلاّ بعد عام 1904، فيما أجبر آخرون على الاستقرار في أراضٍ جديدة مثل "جحيم غويانا" مع مرحّلين فرنسيين صُنفوا آنذاك ضمن مرتكبي الشغب والجريمة.
واللافت أنّ إدارة المحتلّ الفرنسي القديم اختارت أماكن نفي بعيدة يستحيل العودة منها إلى أرض الوطن، مكرّسة غبر ذلك جريمة "مسخ ثقافي واحتقار" للجزائريين عن طريق سلبهم حق الارتباط إلى الأرض وإلى الدين الاسلامي والتعلم والتواصل بين الأجيال.
وركّزت كلّ الدراسات التاريخية على أنّ رحلة التهجير القسري لآلاف الجزائريين تمّت في ظروف لا إنسانية، حيث أقدم جلاّدو الكولونيالية على وضع المنفيين داخل أقفاص حديدية ضيّقة يعجز أي إنسان عن الوقوف داخلها، ما تسبّب في هلاك عدد كبير من الجزائريين الذين ألقي بهم في عرض البحر دون رحمة.
يُشار إلى أنّ كاليدونيا الجديدة، مستعمرة فرنسية منذ سنة 1853 وعاصمتها نوميا، وتقع كاليدونيا الجديدة في قارة أوقيانوسيا جنوب المحيط الهادي، تبلغ مساحتها 19 ألف كيلو متر مربّع، ويبلغ عدد سكانها حاليًا ربع مليون شخص، بينهم 20 ألفا من أحفاد الجزائريين.
وتبعد كاليدونيا الجديدة عن الجزائر العاصمة بنحو 22 ألف كيلومتر، وظلّ اسم هذه الجزيرة جنوب المحيط الهادئ، مرتبطًا بمسمى "مستعمرة المنفيين"، فبعد احتلالها من طرف فرنسا، راهنت الأخيرة على ترحيل الجزائريين قسرًا لتجسيد المخططات الفرنسية الاستيطانية، وجرى استغلال جزائريي كاليدونيا بطرق بشعة أمعن معها جلاّدو الكولونيالية في ممارسة ألوان من الاضطهاد والتنكيل ضدّ الجزائريين المنفيين.
ويعيش الآن في كاليدونيا الجديدة أكثر من 20 ألف جزائري، حاملين دون إرادة للجنسية الفرنسية، لكنهم يمتلئون انتماءً للجزائر ويحرص الأحفاد على ترسيخ ذاكرة الأجداد والالتصاق بهوية وقيم الوطن الأمّ.
موقع الإذاعة الجزائرية – رابح هوادف