رئيس الجمهورية يدعو الشباب إلى كسب معركة التنمية التي تسمو فوق النعرات السياسية و الإيديولوجية

دعا رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الشباب الجزائري إلى تحقيق "وثبة سلمية وخيرة" من أجل كسب معركة التنمية التي تسمو فوق النعرات السياسية و الإيديولوجية من أي نوع كانت.

و في رسالة وجهها إلى الأمة بمناسبة إحياء الذكرى الـ 54 للاستقلال و العيد الوطني للشباب, توجه رئيس الجمهورية إلى هذه الفئة, مخاطبا إياها بالقول "بالرغم من نقائص لا تنكر  منحتكم الجزائر  أنتم شبابها  تعليما و بيئة اجتماعية كريمة و ها هي اليوم تضع بين أيديكم مكسباتها و ثرواتها التي يتعين عليكم تثميرها بالقدر الأوفى".

و شدد الرئيس بوتفليقة على أن الجزائر تعول على عبقرية و علم و عرق و سواعد شبابها, كما أنها تأمل في الاستفادة من آرائهم التي سيدلون بها في إطار المجلس الأعلى للشباب الذي "سيتم تنصيبه قريبا".

و أضاف رئيس الجمهورية قائلا: "إن هذا النداء  الذي أتوجه به إليكم  أيها الشباب  نداء ليس فيه من الأبوية شيء,إنه نداء صادر من واحد من الذين يكبرونكم سنا  واحد نذر شبابه و كل حياته لخدمة هذا الوطن. إنه نداء يدعوكم  في هذا العيد الوطني للاستقلال و الشباب إلى الاقتداء بالأمجاد من أسلافكم وأعني بهم المجاهدين الأخيار و الشهداء".

و في سياق ذي صلة, دعا رئيس الجمهورية القائمين على المنظومة التعليمية وجموع الباحثين و المثقفين إلى مضاعفة الجهود من أجل تلقين التاريخ الوطني و التعريف به أكثر, لا سيما ما تعلق منه بتاريخ استرجاع السيادة الوطنية, حيث شدد على أنه يتعين على الشباب الجزائري أن لا ينسى ما تكبده الشعب من ويلات طوال 132 سنة من الاستعمار .

كما ذكر بأن الاحتفال بهاته المناسبة المزدوجة يعد فرصة مواتية ل"مراجعة ما فات واستشراف ما هو آت  فالرجوع إلى الماضي بمثابة واجب تذكر لا بد من الوفاء به لكي لا ينسى شعبنا  على مر أجياله المتعاقبة  ثمن استقلاله و حريته".

و قال في هذا الصدد: "علينا أن نجعل أبناءنا على علم بممارسات الغطرسة الهمجية التي طالت أسلافهم كلما حاولوا كسر قيود الاستعمار  و قد بلغت حد نفي الآلاف منهم إلى ما وراء المحيطات".

كما أكد أيضا على أنه من الواجب إطلاع الأجيال الصاعدة على التجنيد القسري الذي طال الجزائريين آنذاك في صفوف قوات المحتل في كل الحروب التي خاضها وكذا المجازر التي ارتكبت في حق ذويهم بالجزائر  في 8 ماي 1945   في حين كان العالم بأسره يحتفل بالانتصار على النازية.

و قال بهذا الخصوص "إن الاضطلاع بواجب التذكر يعني أيضا فيما يعني الاعتزاز بملحمة ثورة أول نوفمبر 1954 المجيدة", مشددا في هذا الصدد على "استثنائية" الثورة التحريرية من حيث الثمن الباهظ الذي قدمه الشعب الجزائري و كذا بالنظر إلى كونها كانت باعثا لحركة التحرر في شتى البلدان الإفريقية.

يحق للجزائر أن تأمل "بطمأنينة" في خروجها من الأزمة المالية

و أوضح الرئيس بوتفليقة في رسالته أنه "يحق لبلادنا أن تأمل بطمأنينة و تفاؤل في خروجها من الأزمة المالية الحالية" مؤكدا أن هذه الطمأنينة في متناول الجزائر بفضل الحوار و التشاور بين الحكومة و شركائها الاقتصاديين والاجتماعيين بالإضافة إلى التمسك بالعدالة الاجتماعية و التضامن الوطني.

و قال رئيس الجمهورية في هذا الخصوص الطمأنينة "في متناولنا بفضل ما دأبنا عليه من حوار وتشاور بين الحكومة وشركائها الاقتصاديين والاجتماعيين" مضيفا "إن الطمأنينة هذه هي في متناولنا كذلك بحكم تمسكنا بالعدالة الاجتماعية و بالتضامن الوطني هذا الذي بات يستدعي منا أن نتناوله بما وجب من الترشيد".

و يرى السيد بوتفليقة أن هذه الطمأنينة "ستعم على أوسع نطاق إن قبل الفاعلون السياسيون في البلاد الإدلاء بدلوهم في النقاش و في اقتراح الحلول باعتبار أن الرهان ليس السلطة و لا المعارضة و إنما هو المصير الاقتصادي للبلاد و مصير الساكنة برمتها".

كما أكد رئيس الجمهورية أن التفاؤل "يبقى مشروعا في تجاوز الأزمة المالية الراهنة و ذلك بالنظر إلى ما تملكه بلادنا من مكسبات وفيرة".

الأزمة الاقتصادية "ليست قدرا" على بلد في حد ذاته  

و قال رئيس الجمهورية "ليست الأزمة الاقتصادية و المالية قدرا على بلد في حد ذاته في كنف اقتصاد عالمي معولم. إن التعاطي مع هذه الأزمة هو الذي يختلف من بلد إلى آخر وفقا لما يبلغه من تعبئة و توافق داخلي".

و أوضح السيد بوتفليقة أن البلاد "تواجه اليوم تذبذبات شديدة في أسعار المحروقات  المورد الذي ما زال له وزنه في اقتصادنا و تنميتنا شأننا في ذلك شأن العديد من البلدان المنتجة لهذه المادة الأولية".

و أكد في هذا السياق أن هذه "الصدمة ليست ناتجة عن خلل اعترى منهاجنا الداخلي" مذكرا بالقرارات الوطنية الاحترازية التي تم اتخاذها  قبل بضع سنوات لا سيما قرار التسديد المسبق لمعظم المديونية الخارجية بما فيها العسكرية "مما ساعد على القيام بقفزة نوعية في تحيين طاقات ومعدات الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني".

كما تقرر-يضيف رئيس الجمهورية- "الكف عن اللجوء إلى القروض الخارجية و انتهاج الحذر في تسيير احتياطنا من الصرف  مما مكننا من أن نكون اليوم قادرين على مقاومة الأزمة المالية و من أن نعتمد بكل سيادة ما تستلزمه من التصحيحات واضعين في الحسبان واقعنا و وفاءنا لخياراتنا الاجتماعية الأساسية". 

و يرى رئيس الجمهورية أن "الأزمة الراهنة هذه قد تتحول إلى فرصة لتعجيل وثبتنا الجماعية لكي نقلع عن إدماننا الريع و نتخلص من التثبيط البيروقراطي للعزائم و نعيد الاعتبار لفضائل العمل الذي يقدسه ديننا الحنيف و تفرضه التنمية".

و أضاف قائلا "في الميادين هذه جميعها نشهد التحول ماثلا للعيان كما يؤكده تسارع الإصلاحات و التوافق المتنامي من أجل ترشيد نموذجنا الاجتماعي  و وتيرة تحقيق النتائج الملموسة في التنمية الاقتصادية من دون المحروقات".

و أكد رئيس الجمهورية بأن "هذه التحولات ستتعزز لا محالة في إطار النموذج الجديد للنمو و التنمية الذي أجمعت عليه الحكومة و شركاؤها الاقتصاديون و الاجتماعيون  و بفضل العقد الاقتصادي والاجتماعي الذي جددت الثلاثية قبل أيام تمسكها به".

و استدل السيد بوتفليقة- في هذا السياق- بالقاعدة الصناعية التي شهدت تطورا في السنوات الأخيرة قائلا " ستشهد قاعدتنا الصناعية  التي لا يستهان بها  توسعا لأن سوقنا الداخلية تقتضي ذلك ولأن حاجاتنا من التصدير تتطلب ذلك مع العلم أن مواردنا المنجمية القابلة للتحويل و التثمين معتبرة و أن ما يتوفر لدينا من الطاقات المتجددة يبعث على التفاؤل".

و من جانبه-يضيف رئيس الجمهورية- "مازال اقتصاد الخدمات حقلا تنتظر الاستغلال سواء أتعلق الأمر بمجال السياحة أم بمجال الاقتصاد الرقمي المتنامي" في حين "تنتظر القدرات الفلاحية الاستصلاح و تتطلب التحديث حتى تستجيب للطلب المحلي و تدر موارد خارجية جديدة عن طريق التصدير".

و من جهة أخرى أبرز السيد بوتفليقة الإنجازات التي تم تحقيقها عن طريق مجهودات الدولة لبعث مسار التنمية الاقتصادية و هو ما جعل من الجزائر "ورشة مترامية الأطراف" سمحت بتقليص البطالة "التي كانت تنخر المجتمع قبل عقدين من الزمن".

كما شهدت المنشآت القاعدية "تطورا كبيرا عبر التراب الوطني معززة بذلك الأسس لطفرة اقتصادية قوامها التنويع والتنافسية" حسب ذات المصدر.

و أوضح رئيس الجمهورية أن " الإنفاق العمومي كان خلال السنوات الماضية محرك النمو من دون المحروقات ريثما يشتد عود الاقتصاد المتنوع أكثر فأكثر في الميدان بفعل ما تم من الإصلاحات وما بذل من أنواع الدعم الاقتصادي".

و في هذا الإطار "استفادت المؤسسات المحلية   العمومية منها والخاصة  من حوافز جبائية ومالية هامة منها تخفيض فوائد القروض و إعادة جدولة الديون البنكية و الجبائية".

كما أشار أيضا إلى الفلاحة "التي استفادت هي الأخرى من أشكال عديدة من الدعم بدأت الساكنة تلمس ثمارها من خلال عرض أوفر".

استرجاع الجزائر للممتلكات الشاغرة عقب الاستقلال كان إجراء مشروعا

أكد الرئيس بوتفليقة أن استرجاع الجزائر للممتلكات الشاغرة عقب الاستقلال كان إجراء "مشروعا" جاء في سياق ما فعله المستعمر الفرنسي بممتلكات الشعب الجزائري, حيث أصبح "جزء لا رجعة فيه من تشريع الدولة".

وذكر رئيس الدولة بأن الجزائر اتخذت في سياق سيادتها الوطنية "إجراءات مشروعة لاسترجاع, ضمن ملكية الدولة, الممتلكات الفردية و الجماعية التي أصبحت شاغرة غداة الاستقلال".

و أضاف بأن هذا الإجراء جاء "في سياق ما فعله المستعمر الغاشم في الأربعينيات من القرن الماضي بممتلكات أبناء بلادنا, إجراء أصبح كذلك, جزء لا رجعة فيه من تشريع دولتنا المعاصرة".

كما أشار رئيس الجمهورية في سياق ذي صلة إلى أن أولوية السيادة الوطنية "سرعان ما تجسدت من خلال قرارات تاريخية متعاقبة شملت الأراضي الفلاحية  و الموارد المنجمية و المنظومة المالية المحلية إلى جانب تخليص البلاد تدريجيا من الوجود العسكري الأجنبي".

 

      

الجزائر