دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره السنوي إلى ضرورة التفكير في إدخال تعديلات على قانون الانتخابات بالكيفية التي تسمح للمجلس القيام بدور "رقابي وإشرافي خاص" يختلف عن دور الهيئة الوطنية لمراقبة الانتخابات.
وأوضح المجلس في تقريره الذي سلمه رئيسه, بوزيد لزهاري الى رئيس الدولة, عبد القادر بن صالح, أن "أغلب المؤسسات الوطنية المستقلة لحقوق الإنسان في العالم تملك صلاحيات في مجال الانتخابات", مشيرا إلى أن الانتخاب والترشح باعتبارهما من الحقوق السياسية الأساسية المهمة تجعل المجلس الوطني "ملزم بتقديم مساهمة في ميدان الانتخابات وذلك بتقديم تقرير خاص حول ملاحظاته للعملية الانتخابية".
وفي هذا الإطار, يرى المجلس أنه من "الضروري تعديل القانون المتعلق بنظام الانتخابات, الذي يجب أن يتضمن إدراج المجلس الوطني في العملية الانتخابية من حيث الرصد والمتابعة و إعداد تقارير حول مجريات كل عملية انتخابية".
وبشأن استقلالية القضاء ومحاربة الفساد, شدد المجلس على "ضرورة إعادة النظر في القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء وإعطاء نيابة رئاسة المجلس لقاض وليس لعضو في الجهاز التنفيذي", مبرزا أن ذلك ينبغي أن "يتجسد عمليا بإعطاء نيابة رئاسة المجلس الأعلى للقضاء للرئيس الأول للمحكمة العليا بدلا من وزير العدل".
ويرى المجلس أنه "حان الوقت للتفكير جديا في إعطاء رئاسة المجلس الأعلى للقضاء لقاض وضرورة منح هذا المجلس صلاحية اقتراح ثلاثة أسماء قضاة يختارون وفق معيار الاقدمية في الخدمة, ويختار رئيس الجمهورية أحدهم وجوبا لرئاسة المجلس الأعلى للقضاء", حيث تصبح تشكيلة المجلس الأعلى "هيئة تمثيلية ومنتخبة كلية ويستبعد فيها أي تعيين, ويتناسب عدد أعضائها مع عدد القضاة في المحاكم والمجالس".
وشدد التقرير على أن "مبدأ استقلالية القضاء وتعزيزه يقتضي إعادة النظر في القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء", بالإضافة الى "نزع كل الاختصاصات الممنوحة لوزير العدل في مواجهة النيابة العامة ومنحها للنائب العام لدى المحكمة العليا مع تنظيم النيابة العامة في إطار مستقل تماما عن السلطة التنفيذية".
من جهة أخرى, أشار التقرير الى أن "الرشوة والفساد ينتهكان حقوق الإنسان", لافتا إلى أنه "إذا أصبحت الرشوة مستشرية, فإن العزوف يزداد في اللجوء إلى العدالة, وذلك بسبب الاعتقاد الجازم أن هذا اللجوء لن يحمي حقوقهم", مشيرا الى أنه في مثل هذه الظروف "تصبح الضبطية القضائية والقضاء عرضة لشبهة الفساد من قبل المتقاضين الذين يريدون إحقاق حق المحاكمة العادلة, يطبق فيها القانون تطبيقا صحيحا وعادلا" .
وتابع التقرير بأن الرشوة "تشجع التمييز بين الأفراد والفئات وتؤدي إلى المساس الخطير بمبدأ المساواة, وبالتالي فهي تمنع المواطنين والمقيمين من تحقيق حقوقهم المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية".
وأكدت الوثيقة أن قيام الدولة ب"التزاماتها كاملة في مجال حقوق الإنسان يفرض عليها خوض معركة شرسة وصارمة ضد الفساد", مبرزة أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان مطالب, بالتنسيق مع هيئات مكافحة الفساد, بتنظيم ندوات ولقاءات من أجل "التحسيس ورفع درجة الوعي بخطورة ظاهرة الفساد على الاقتصاد والمجتمع وحقوق الإنسان وتشجيع الأشخاص الذين يكشفون وينددون بالفساد بالقيام بذلك, لكن بعد أن نحمي حقوقهم في الأمن الشخصي والحرية وتحقيق المحاكمة العادلة وحماية الشهود".
وبشأن حرية التعبير والصحافة, ذكر التقرير أن هذه الأخيرة تشكل "أحد الركائز الأساسية للمجتمع الديمقراطي والنصوص الدستورية والقانونية في الجزائر", لافتا إلى أن الوثائق الدولية المصادق عليها من طرف الدولة الجزائرية "تعطي لهذا الحق أهمية كبيرة".
وأشار في هذا المجال إلى أن عدد الصحف والمجلات والإذاعات والقنوات التلفزيونية الموجودة في الجزائر "دليل قاطع على أن هذه الحرية مجسدة على أرض الواقع وتتطور بشكل تدريجي وفعال رغم بعض الصعوبات الظرفية والموضوعية".
وفي هذا الإطار, دعا المجلس إلى "الابتعاد عن استخدام الوسائل المالية والمادية وغيرها لإجبار الصحف ووسائل الاتصال بصفة عامة, سواء أكانت تنتمي للقطاع الخاص أو العمومي, على إتباع توجه معين", مشيرا إلى أن "الإنصاف والمساواة يجب أن يكونا المعيار في معاملة وسائل الإعلام بصفة عامة".
وفي هذا الشأن, شدد التقرير على أن "توزيع الإشهار العمومي خاصة يجب أن يكون طبقا لمعايير محددة مسبقا, هدفها تشجيع الصحافة على الاستمرار في التطور والعطاء وليس وأدها في المهد", مبرزا أن مهمة توزيع الإشهار العمومي "يجب أن توكل لهيئة تنشئ بقانون, مكونة من أشخاص مشهود لهم بالكفاءة والمهنية".
كما يهيب بالسلطات العمومية ب"عدم التسرع في متابعة الصحفيين الذين ينتقدون الشخصيات العمومية", معتبرا أن "من يدخل الحياة العامة ويريد خدمة المواطنين والوطن وكل الناس الذين يعيشون فوق إقليم الدولة يجب أن يخضع للمساءلة والرقابة من طرف السلطات الدستورية كالبرلمان ومجلس المحاسبة وغيرها, لكن أيضا يجب أن يخضع لانتقادات الصحافة على كيفيات تسييرها للشأن العام".
وأكد التقرير على ضرورة "توسيع دائرة حماية الصحافيين من أي نوع من المتابعة عند ممارستهم لهذه المهام", مشددا على أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان "لا يمكن أن يتساهل مع سجن الصحافيين, إذ يجب الابتعاد كلية عن هذا النهج الذي يمكن أن يرتقي إلى انتهاك حرية التعبير".
من جهة أخرى, دعا التقرير الصحافة ووسائل الاتصال والصحافيين بأن يعملوا على "تطوير الاحترافية والمهنية والابتعاد عن سياسة الإثارة واللعب على مشاعر الناس", لافتا إلى أن هذا التوجه "لن يخدم ما تصبو إليه الدولة من جعل الصحافة إحدى المصادر الأساسية المساهمة في تكوين رأي عام واع ومستنير يمارس حقه في مناقشة الشأن السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي وغيره بطريقة ذكية وصائبة ومسؤولة".
كما يدعو المجلس الوطني لحقوق الإنسان أيضا إلى "إعادة النظر في قانون الإعلام, وهذا بالقضاء على كل العراقيل والصعوبات التي تقف في وجه تطور واتساع حرية التعبير", مجددا مطلبه ب"وجوب تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة التي ستكون أحد أهم مهامها إصدار تراخيص إنشاء المنشورات".