قرر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون اليوم الاحد منح الفقيدة عائشة باركي، رئيسة الجمعية الجزائرية لمحو الأمية "إقرأ" وسام الاستحقاق من مصف "عشير" تقديرا لمساهماتها الكبيرة في معركة محو الأمية، حسب ما أفاد به بيان مجلس الوزراء.
وجاء في البيان أن رئيس الجمهورية قرر "منح الراحلة عائشة باركي طيب الله ثراها رئيسة الجمعية الجزائرية لمحو الأمية إقرأ وسام الاستحقاق عشير تقديرا لمساهماتها الكبيرة في معركة محو الأمية، لاسيما في أوساط المسنين وخاصة النساء في الأرياف والمدن الداخلية، وأعطى تعليمات لمنح صفة +جمعية ذات منفعة عامة+ لجمعية +إقرأ +".
كما أمر الرئيس تبون ب"إعداد قائمة بأسماء الجمعيات المدنية المؤهلة لهذه الصفة على أساس ما قدمته من خدمات للمجتمع عبر التراب الوطني لاسيما تلك التي ظهرت خلال أزمة كوفيد 19 ولعبت دورا كبيرا في جمع التبرعات وتوزيعها على المتضررين وتعزيز التضامن والتراحم بين أبناء الشعب ومساعدة الدولة على التصدي لجائحة كورونا".
عائشة باركي... مسيرة حافلة بالانجازات في مجال محو الأمية وترقية العلم في الجزائر
ويبقى اسم الراحلة عائشة باركي، خالدا في مسار محو الامية ومحاربة الجهل حيث ساهمت هذه المعلمة من خلال جمعية "اقرأ" في محو أمية أكثر من 6ر1مليون شخص على مدى اكثر من ثلاثين عاما.
وقد أمضت عائشة باركي حياتها في محاربة الأمية، التي تعد أبشع ارث تركه الاستعمار الفرنسي في اوساط المجتمع، خاصة لدى الشباب و العنصر النسوي.
فبنضالها وعملها الدؤوب عملت هذه المرأة الاجتماعية التي لا تفارق الابتسامة محياها على غرس حب التعلم لدى كافة الشرائح منها كبار السن، حيث ترأست لعقود جمعية "اقرأ" الوطنية لمحو الامية.
وبدأت عائشة باركي وهي من مواليد 12 يوليو 1946 بعين بسام في ولاية البويرة، التعليم في فروع محو الأمية في سن مبكرة والتدريس بشكل رسمي في مدارس العاصمة.
وكان التعليم بالنسبة لهذه المرأة المثابرة من أهم القضايا العادلة التي ناضلت من أجلها حين أتيحت لها الفرصة سنة 1963 لأن تكون من بين الفتيات اللواتي بدأن في التعليم بفروع محو الأمية، كمستخلفة الى أن تحصلت على منصب عمل ثابت وبدأت التدريس بالحراش (الجزائر العاصمة).
بعدها انتقلت إلى مدرسة محمد إقبال، لتتدرج من معلمة الى مديرة بمدرسة الموحدين بالعاصمة وكلل هذا المسار المميز بتقاعد مسبق بعد 32 سنة في مجال التعليم.
وقد بادرت عائشة باركي في بداية التسعينيات من القرن الماضي ، بتأسيس الجمعية الجزائرية "اقرأ" لمحو الأمية التي اعتمدت يوم 29 ديسمبر 1990، وذلك في ظروف جد صعبة كانت تمر بها الجزائر .
وتم الاعلان الرسمي عن ميلاد هذه الجمعية يوم 8 جوان 1991 المصادف لليوم العربي لمحو الأمية.
وحددت الجمعية اهداف لتحقيقها منها محاربة الامية في أوساط الشباب و الرسوب المدرسي وغرس روح التعلم لدى كافة فئات المجتمع.
كما عملت الجمعية على انشاء مراكز محو الامية في كل مناطق البلاد و تدعيم الفئات المعنية بمكافحة الامية بكل الوسائل الحديثة والسهر على تدعيم التربية لدى كافة فئات المجتمع فضلا عن انشاء مراكز تعلم الحرف والصناعات التقليدية للنساء الماكثات في البيت .
واستفادت المرأة الريفية أساسا من التعليم الذي توفره "اقرأ"، خصوصا تلك المتواجدة بالمناطق المعزولة بالتراب الوطني (الشاوية و النايلية و المزابية و التارقية...الخ) و التي ابعدتها الظروف التاريخية عن حقها الاساسي في القراءة و الكتابة.
ونجحت الفقيدة باركي في هذه المهمة النبيلة في جلب اكبر عدد ممكن من المنخرطين في مشروعها.
و تشهد على ذلك العديد من الشهادات التي تلقتها الجمعية و رئيستها على غرار الجائزة الدولية لمحو الامية لمنظمة اليونيسكو سنة 1997 و جائزة منظمة "اليسكو" سنة 1998 و جائزة منظمة "ايسيسكو" سنة 2000.
وفي سنة 1994، منح المجلس الدولي لتعليم الكبار جائزة "روبي كيد" للفقيدة عائشة باركي و تولت منصب نائب رئيس المجلس، علما انها تحصلت كذلك على صفة مراقب لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة سنة 1988 و كانت من بين مؤسسي المجلس الاقتصادي و الاجتماعي لافريقيا سنة 2008.
كما تعتبر جمعية "اقرا" عضوا في العديد من المنظمات غير الحكومية العربية.
وعملت الفقيدة كذلك على انشاء مراكز تعلم الحرف والصناعات التقليدية للنساء الماكثات في البيت وتطوير الوسائط التكنولوجية في محاربة الامية وواصلت تحديها في محارية الأمية بشعارها "حريتي في محو أميتي" لعقود لتكلل جهودها بوضع استراتيجية لمحو الأمية بالجزائر، مكنت من تخفيض نسبة الامية عام 2019 الى 7ر8 بالمائة مقابل نحو 85 بالمائة عند الاستقلال.
ومكنت هذه الاستراتيجية الجزائر من الحصول على جائزة اليونيسكو لمحو الأمية لعام 2014 نظير المجهودات المبذولة لرفع نسبة التمدرس من طرف جمعية "اقرا".
وكللت مجهودات ومساعي عائشة باركي بإصدار كتاب "أمحو أميتي" بثقافة اللاعنف كمساهمة منها في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف التي تشرف عليها وزارة التضامن الوطني وقضايا الأسرة تحت شعار "من أجل مجتمع آمن".
واصلت الفقيدة مجهوداتها في آخر مسارها النضالي و الجمعوي باطلاق مشروع تعليم الأمازيغية للكبار في إطار محو الأمية عبر كل أرجاء البلاد.
أصيبت الفقيدة عائشة باركي بمرض عضال ألزمها الفراش منذ يناير 2019 إلى أن وافتها المنية يوم 28 مايو من نفس السنة.
وتبقى مسيرتها المشرفة رصيدا شاهدا على إخلاصها لوطنها وإسهاماتها في الحركة الجمعوية.