أكد وزير المالية عبد الرحمن راوية هذا الثلاثاء، أن مشروع قانون المالية لسنة 2018, سيساهم في المحافظة على توازنات الاقتصاد الوطني و التحكم في الإنفاق العام و التخفيف من أثر تراجع أسعار المحروقات على الاقتصاد الوطني مع المحافظة على الدعم الاجتماعي و القدرة الشرائية للمواطن بتجنبه فرض ضرائب و رسوم جديدة على المواطنين.
و قال راوية -خلال رده على انشغالات نواب المجلس الشعبي الوطني في إطار مناقشة مشروع قانون المالية لـ 2018, خلال جلسة علنية ترأسها رئيس المجلس سعيد بوحجة- أن مشروع القانون يندرج في مسعى الحكومة للتحكم في الإنفاق العام والصرامة والنجاعة في استعمال إيرادات ونفقات الدولة بالإضافة للمحافظة على توازنات الاقتصاد و تنويعه و ترقية الاستثمار والمحافظة على الدعم الاجتماعي اتجاه الفئات المعوزة و هي أهداف تصب في مصلحة الوطن و المواطن, حسبه.
كما أكد الوزير ان مشروع القانون يتضمن أحكام من شأنها إعادة التوازنات المالية للخزينة العمومية و التخفيف من أثر تراجع أسعار المحروقات مؤكدا أن الحكومة ستواصل جهودها لتنويع الاقتصاد الوطني و المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن و خلق المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و مناصب الشغل تهدف كلها لبناء اقتصاد متطور.
و بخصوص تدخلات النواب, التي فاقت 200 تدخل, و التي تمحورت حول المؤشرات الاقتصادية الكلية والميزانية وترشيد النفقات وتحسين توجيه التحويلات الاجتماعية والانشغالات الجبائية و عصرنة قطاع الضرائب و عصرنة المنظومة المصرفية و تنويع المنتجات البنكية, عبر الوزير عن ارتياحه بتسجيل "توجه يحمل في ثناياه دعوة لحماية الاقتصاد الوطني و نية صادقة لتقديم اقتراحات ترمي لضمان التوازن بين السياسة الاقتصادية و الانشغالات الاجتماعية".
كما أشار الوزير إلى أثار تراجع أسعار النفط, كمؤثر خارجي, على الاقتصاد الوطني, يتطلب مواصلة إدخال بعض التغييرات الضرورية بهدف التخفيف من العجز, و هذا باستعمال الآليات المتاحة للحكومة و هي الآليات المعمول بها في اقتصاديات الدول الكبرى مع المحافظة على مستوى المكاسب الاجتماعية, بل و تحسينها كما هو وارد في المشروع, للمحافظة على القدرة الشرائية للأسر, و لكن من منظور مراجعة الآليات الحالية بكيفية تسمح بتسيير أمثل للموارد العمومية.
و في هذا الصدد أكد الوزير أن مشروع قانون المالية لـ 2018, قد حافظ على المستوى المعتبر للتحويلات الاجتماعية, خدمة للشرائح المعوزة, إذ بلغ المبلغ المخصص لهذه التحويلات ما يفوق 20 بالمائة من ميزانية الدولة و 9 بالمائة من الناتج الداخلي الخام, مسجلة ارتفاعا بـ 135 مليار دينار, مقارنة بـ 2017, على الرغم من الظرف الاقتصادي الصعب.
لكن, يواصل الوزير, فانه من الضروري إعادة النظر في سياسات هذه التحويلات, لتوجيهها خصيصا لمستحقيها, ما يتطلب, حسبه, "استحداث آليات استهداف التحويلات الاجتماعية, و التي تتطلب شروط أساسية لتطبيقها بسبب طابعها الحساس, و بالتالي, لا يجب التسرع في هذا الإطار, لعدم إقصاء الأسر ذات الدخل المتواضع".
وأكد الوزير, في نفس الإطار, أن الضرائب والرسوم المرتقبة في مشروع قانون المالية لـ 2018, تتعلق خصوصا بالضريبة على الثروة والرسوم المطبقة على الوقود, التي كان من الواجب تطبيقها, والتي لن يكون لها تأثير على الفئات المعوزة ما يساهم في الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين مؤكدا على أن أسعار الوقود المطبقة حاليا تعد من اخفض الأسعار على المستوى العالمي بما فيها الدول المنتجة للبترولي ما أدى بتسجيل استهلاك مفرط لهذه المواد والذي بلغ 14 مليون طن سنويا, 23 بالمائة منها مستوردة ما أدى بتسجيل دين على الخزينة العمومية قدره 900 مليار دينار.
أما فيما يخص الضريبة على الثروة قال راوية انها تهدف "لتحقيق عدالة اكبر بين المتعاملين الاقتصاديين و تضامن أوسع بين الشرائح المختلفة للمجتمع", مؤكدا انه يتم حاليا جمع المعلومات حول المعنيين بها في انتظار إصدار النصوص التطبيقية التي تحدد كيفية تفعيلها.
و بخصوص التدابير المتخذة لتجنب التضخم في إطار التمويل غير التقليدي أكد الوزير ان هذا الموضوع يشكل اهتماما دائما لدى الحكومة التي تسعى إلى اجتناب كل العوامل المؤدية لهذه الظاهرة, من خلال تنبؤات تطور منحنى التضخم بين 2018 و 2020و التي من المنتظر أن تبلغ نسبته 5ر5 في 2018 و هي نفس النسبة المنتظرة في نهاية 2017, و 4 بالمائة في 2019 و 5ر3 بالمائة في 2020.
كما قال راوية أن إجراء التمويل غير التقليدي سيرفق بإصلاحات هيكلية مهمة, مشددا أن النصوص التطبيقية ذات الصلة سيتم إصدارها قبل نهاية السنة الجارية.
كما ذكر الوزير أن إجراء التمويل غير التقليدي سيسمح لشركتي سوناطراك و سونلغاز بتركيز جهودهما و قدراتهما المالية على تعزيز خططهما الاستثمارية التي سيكون لها تأثير إيجابي على الديناميكية الاقتصادية بشكل عام, مشيرا كذلك إلى أن القطاع المصرفي, و بفضل تفعيل هذه الآلية, سيستفيد من المزيد من السيولة, ما سيسهل دعم القروض لتمويل الاقتصاد الوطني, مشددا على أن بنك الجزائر "سيتابع عن كثب التطورات الحاصلة في هذا الميدان و تصحيحها أن استدعى الأمر ذلك".
و تذكيرا بالتدابير و التوجهات الاقتصادية الكبرى لمخطط عمل الحكومة, المصادق عليه مؤخرا من طرف البرلمان, و المتضمنة في مشروع قانون المالية 2018, قال راوية أنها ترتكز على, ترشيد الإنفاق العام, تحسين تحصيل الموارد الجبائية, و عصرنة الإدارة الجبائية و تحسين تسيير أملاك الدولة و الميزانية, و عصرنة النظام البنكي, و تنمية سوق رؤوس الأموال و البورصة, و ترقية أدوات مرافقة الاستثمار, و كذا ترقية الإنتاج الوطني و الخدمات في السوق المحلية و تشجيع الصادرات خارج المحروقات.
و فيما يخص المؤشرات الاقتصادية الكلية و التباين بين التقديرات في نسبة الإنجازات و النفقات, أكد الوزير, انه لم يتم تسجيل أي تباين معتبر خلال الفترة 2013-2016 بين الإنجازات و التقديرات, موضحا أن الفوارق لم تتجاوز نسبة 8 بالمائة بالنسبة للتقديرات المتدنية للإيرادات لسنتي 2014 و 2015 بينما تراوحت التباينات بالنسبة للتقديرات العالية بين 2 و 4 بالمائة بالنسبة لسنتي 2013 و 2016.
أما بالنسبة لمؤشرات تقدير معدلات النمو الاقتصادي, فقال الوزير, أنه تم تقدير معدل النمو الاقتصادي بنسبة 4 بالمائة لسنة 2018, و يعود هذا التقدير إلى نسبة التطور الهام المسجل في القيم المضافة في قطاعات المحروقات و الأشغال العمومية و الخدمات التجارية, مشيرا إلى أن وزن هذه القطاعات في الناتج الداخلي الخام هو "معتبر جدا".
و خلال سنة 2018, سيسجل نشاط قطاع المحروقات, حسب الوزير, ارتفاعا محسوسا مقارنة بالسنوات الماضية, إضافة إلى ارتفاع معدلات النمو المحققة في الأشغال العمومية و الخدمات التجارية, التي سترتفع بفضل حجم نفقات التجهيز التي سترتفع بنسبة 60 بالمائة مقارنة بسنة 2017.
و بالتالي, يتابع الوزير, ستكون معدلات النمو, التي ستسجلها هذه القطاعات الاقتصادية, السبب الرئيسي في تحقيق نمو اقتصادي يقدر بـ 4 بالمائة في 2018, اما في القطاعات ذات النمو الاقتصادي الضعيف, المقدرة من قبل الهيئات الدولية, فهي راجعة لتقديرات متدنية لنفقات التجهيز, من قبل هذه الهيئات.
و في كل الحالات يجب التوضيح, يقول راوية, أن الأمر يتعلق هنا بتقديرات يمكن مراجعتها علما أن خبراء صندوق النقد الدولي, و من خلال المعطيات التي تحصلوا عليها, بالنسبة للمنحنى التصاعدي للاستثمار العمومي و النفقات الأخرى, يفكرون في مراجعة تقديراتهم الأولية.
أما بالنسبة للإبقاء على السعر المرجعي لبرميل النفط في حدود 50 دولار, أوضح الوزير أن ناتج الجباية البترولية يرتبط خلال السنوات الثلاث المقبلة بسعر البرميل في الأسواق العالمية و حجم المنتجات الوطنية من المواد النفطية المصدرة, و بالتالي تم الإبقاء على هذا السعر المرجعي للبرميل خلال الفترة الممتدة من 2018 الى 2020, بسبب الظرف الصعب الذي تمر به أسعار النفط في الأسواق العالمية, و رغم الارتفاع الملاحظ في الأسعار, خلال الأسابيع الفارطة, ستظل أسعار النفط متذبذبة بسبب عوامل خارجية منها الضغوط الجيوسياسية و إنتاج المحروقات غير التقليدية, حسبه.
أما فيما يتعلق بتطور ناتج الجباية البترولية في نفس الفترة, فسينتج أساسا عن ارتفاع محسوس في حجم المنتجات البترولية التي يتم تصديرها بين 2018 و 2020.
و عن تطور إيرادات الجباية العادية بـ 10 بالمائة سنويا في الفترة 2018 و 2020, أكد الوزير أنه ناتج خصوصا عن توسيع الوعاء الضريبي و زيادة تحصيل الضرائب و عصرنة الإدارة الجبائية, مؤكدا أن مشروع قانون المالية لـ 2018 لا يتضمن زيادة في أي ضرائب أو رسوم يكون لها تأثير سلبي على القدرة الشرائية للمواطن.
و زيادة على توسيع الوعاء الضريبي تم عصرنة إدارة الضرائب , يقول الوزير, بتجسيد نظام ألي لتحسين التحصيل و تقريب الإدارة الجبائية من المواطن ما أدى بارتفاع التحصيل الضريبي بنسبة 10 بالمائة سنويا, مشيرا الى انه تم في 2017 فتح 24 مركز للضرائب جديد من أصل 29 مركز تم استلامها لحد الآن, بالإضافة إلى 14 مركز جواري من أصل 54 تم استلامها, و يتم حاليا انجاز 101 مركز جواري أخر ستستلم في المستقبل.
كما تطرق راوية إلى إصلاح المنظومة البنكية و تفعيل الصيرفة الإسلامية في العديد من البنوك الوطنية قبل نهاية لسنة لتعزيز الادخار و كذا العديد من الإصلاحات الأخرى لتحديث نظم المعلومات و العروض البنكية لتطوير السوق المالي و مطابقته مع المعايير الدولية لتحسين مساهمته في تطوير الاقتصاد الوطني.
كما يندرج في ضمن هذا السياق, يضيف راوية, إجراء تحسين عروض الأوراق المالية وتطوير الإصدارات الجديدة للأوراق المالية مع تسريع إجراء دخول المؤسسات المالية إلى البورصة.
و بخصوص انشغال النواب حول تقييم الإعفاءات للمستثمرين وأثرها على النمو والتشغيل قال الوزير أنها إجراءات تحفيزية تكلف الدولة أموالا, مشيرا الى أنه يتم حاليا إعداد تقارير لدراسة أثرها على النمو الاقتصادي و استحداث مناصب الشغل.
و بخصوص مشروع القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية, قال وزير المالية أن سيسمح بالانتقال من نمط ميزانية تعتمد على الوسائل الى ميزانية ترتكز على الأهداف, مؤكدا أنه قد تم الانتهاء من دراسته و ضبطه من قبل وزارة المالية و هو حاليا على مستوى الحكومة للدراسة و المصادقة.
يذكر أنه من المرتقب طرح مشروع قانون المالية لـ 2018 أمام نواب المجلس الشعبي الوطني للتصويت يوم 26 من الشهر الجاري أي بعد الانتخابات المحلية المرتقبة يوم الخميس 23 نوفمبر الجاري.