"المولودية" .... أغنية شعبية أصيلة تبهج مئوية العميد هذا السبت

تبثّ قنوات الإذاعة الوطنية، اعتبارًا من هذا السبت، الأغنية الشعبية الأصيلة "المولودية" تزامنًا مع الاحتفالات بالذكرى المئوية لتأسيس النادي العريق مولودية الجزائر في السابع أوت من عام 1921.

في إنتاج جديد يبثه "موقع الإذاعة الجزائرية"، تخلّد الأغنية التي كتب كلماتها توفيق بن عبد السلام، محطات حاسمة في مسار المولودية الشعبية العاصمية منذ زمن الكولونيالية، مرورًا بمرحلة الثورة التحريرية المباركة، وانتهاءً بسائر الأشواط التي قطعها الفريق الأخضر والأحمر منذ الاستقلال وتتويجاته جزائريًا ومغاربيًا وإفريقيًا، وما سطره إسماعيل خباطو، عبد القادر ظريف، حميد زوبا، عمر بطروني، زبير باشي، عيسى دراوي وغيرهم.

أغنية "المولودية" فكرة وإخراج طاهر بلخيري، تركيب وميكساج زهير بن مرادي، لحّنها وأدّاها مطرب الأغنية الشعبية مصطفى بلحسن خريج المدرسة العنقاوية، حرصت على تدوين مآثر كبار الجزائر في صورة الشهيد محمد بوراس مؤسس الكشافة الإسلامية الجزائرية، وعلي عمار "لابوانت" أحد كبار أبطال معركة الجزائر، إضافة إلى الفنان محمد العنقى "محمد إيدير آيت وعراب" عميد الأغنية الشعبية الجزائرية (1907 – 1978).   

وسيحتضن النادي الثقافي "عيسى مسعودي" بالإذاعة الوطنية بعد زوال هذا السبت (15.00 سا) حصة خاصة للقناة الإذاعية الأولى احتفاءًا بمئوية العميد.     

فكرة عبد الرحمن عوف

في سهرة رمضانية من عام 1921، في ميدان الحصان بقلب العاصمة (ساحة الشهداء حاليًا) كانت الجموع غفيرة والأكشاك تعرض كل أنواع المأكولات والحلويات وكان هناك شاب صغير اسمه عبد الرحمن عوف في التاسعة عشرة، يتأمل في جمال البحر، ويتفرج على كوكبة من الأطفال يستخدمون كرة تقليدية من القماش والورق في مباراة وسط الساحة، عندها مرّ مجموعة من العساكر الفرنسيين، فنظر الرقيب للأطفال باستعلاء وقال لهم باحتقار: هذه هي حديقة أمراء العرب!!، فشعر عوف بالإهانة، وبدأ يفكّر في تأسيس نادٍ لكرة القدم.

وفي اليوم الموالي وعند لقائه بأصدقائه طرح عليهم فكرته المتمثلة في تأسيس أول ناد جزائري مسلم ينافس الأندية الفرنسية، فلقي مقترحه ترحابا واسعا من طرفهم. في يوم 7 أوت 1921 الموافق لـ12 ربيع الأول 1339 هجرية، اجتمع عوف رفقة أصدقائه من حي القصبة العتيق و"باب الوادي" أمام مقهى ياحي، ليختاروا اسم وألوان النادي الجديد، وقاموا باقتراح العديد من الأسماء على غرار: (البرق الرياضي الجزائري، الهلال الجزائري، النجم الرياضي، الشبيبة الرياضية...) ووجدوا صعوبة في اختيار الاسم المناسب وفي لحظة لم يتوقعها أحد صعد صوت من داخل المقهى من شخص مجهول مناديا: "مولوديـة !" (نسبة للمولد النبوي الموافق لذلك اليوم)، وهي التسمية التي لقيت تجاوب هؤلاء الشبان ليتم الاتفاق على تسمية الفريق "المولودية الشعبية الجزائرية"، واختيار ألوان العلم الوطني كألوان رسمية للفريق وهي الأخضر والذي يرمز للأمل، إضافة لكونه اللون الرمزي للإسلام، أما اللون الأحمر فهو يمثل حب الوطن والتضحية من أجله.

وجمع عوف الوثائق اللازمة لتأسيس النادي رسميًا: تأسيس الجمعية الرياضية، تحضير الإمكانيات اللازمة (المادية والمالية)، اختيار ملعب للفريق ومقره الخاص، ولكن الإدارة الكولونيالية رفضت منح الموافقة الرسمية على تأسيس النادي، بحجة عدم بلوغه السن القانونية، لكنه ظلّ يكافح إلى غاية افتكاكه الموافقة على تأسيس "مولودية الجزائر" بشعار النجمة والهلال.

وبدأت مولودية الجزائر أولى المنافسات في بطولة الدرجة الفرنسية الخامسة موسم 1921 – 1922  1921/1922 بتشكيلة مكونة من شبان لم يسبق لها لعب كرة القدم ولا تمتلك أي خبرة مقارنة بنوادٍ أخرى، لكن ذلك لم يحل دون تواجد العميد في مركز متقدم رغم النقص الفادح للإمكانيات، وتمكنت المولودية في الموسم الموالي من تحقيق الصعود للدرجة الرابعة، وسط تعتيم الصحافة الفرنسية، فيما واصلت الإدارة الكولونيالية تضييقها بفرضها إشراك لاعبين أوربيين في التشكيلة الأساسية للمولودية على منوال الفرق المسلمة، كما جنّدت أفضل لاعبي المولودية إجباريًا اعتبارًا من عام 1925، ما جعل المسيرين يعلقون مشاركة المولودية في البطولة لموسمين.

وفي سنة 1931، حققت المولودية الصعود إلى قسم الدرجة الثالثة، ثمّ قفزت إلى الدرجة الأولى عام 1936 على حساب الفريق الكولونيالي "أولمبيك مارينغو" (2 – 1) في العفرون، وأنهت أول موسم لها ضمن القسم الأول في الصف الرابع، لتتأهل إلى ثاني أدوار كأس شمال إفريقيا أين أقصيت بعد سحقها "غاليا سبورت" بثلاثية نظيفة.

وبعد مواسم صعبة، توّجت المولودية ببطولة في موسم 1944 – 1945، علمًا أنّ العميد تجاوز "جمعية سانت أوجان" (6 – 0) في آخر لقاء، لكن الرابطة الفرنسية اتخذت قرارًا غريبًا بمنح اللقب مناصفة بين الناديين، ولم ينل ذلك من عزيمة أبناء المولودية الذين فازوا بكأسين للجزائر عامي 1949 و1951 على حساب المنافس ذاته "جمعية سانت أوجان" بملعب 20 أوت 55 بالجزائر العاصمة (5 – 3)، و(3 – 2) في ملعب سانت أوجان (عمر حمادي حاليًا).

 

أحداث 11 مارس 1956 والانسحاب من المنافسة

يشير الباحث أسامة هوادف إلى أنّ نادي مولودية الجزائر كان الأكثر ارتباطًا بالثورة الجزائرية، ويؤكد انعقاد اجتماع مجموعة الـ 22 في الجزائر العاصمة يوم 23 جوان 1954 وذلك في بيت أحد مؤسسي العميد براهم دريش بضاحية المدنية، علمًا أنّ الشقيق الأكبر لإبراهيم دريش، إلياس كان أحد أعضاء المجموعة، في تشريف للمولودية التي لم تكن لها أهداف رياضية فقط بل كانت قلبًا وقالبا مع تحرير الوطن من الاستعمار الغاشم، وقدّمت المولودية خيرة أبناءها فداءً للجزائر، في صورة الشهيد البطل "علي عمار" (لابوانت).

وإثر أحداث 11 مارس 1956، انسحبت مولودية الجزائر من كافة المنافسات الكروية، ففي ذلك التاريخ، كانت هناك مباراة مهمة للعميد في ملعب سانت أوجان (بولوغين حاليا) ضد الجار الغريم الكولونيالي جمعية سانت أوجان، وكان الملعب مكتظًا عن آخره، وبعدما كان العميد متأخرًا بهدف، تمكن العميد من التعديل في آخر لحظات اللقاء، وهو ما لم يتقبله الفرنسيون  و هو ما فجر الفرحة عند أنصار المولودية و هو ما لم يتحمله الفرنسيون فاعتدوا على الجزائريين، ليتّم تسجيل الكثير من الإصابات وتحطيم أكثر من 30 سيارة، وجرى اعتقال عدد كبير أنصار المولودية و الزج بهم في السجن وتعذبيهم.
وبتاريخ 13 مارس 1956 قرر مسيرو المولودية الإنسحاب، وهو قرار دعّمته الفرق المسلمة الأخرى ونسجت على منواله، على غرار: اتحاد البليدة، اتحاد العاصمة، نصر حسين داي، رائد القبة، اتحاد الحراش، أولمبيك سانت أوجان ، وداد بلكور وغيرها.

 

بهاء ما بعد الاستقلال

شهدت سبعينات القرن الماضي سيطرة مولودية الجزائر على كرة القدم الوطنية ثم الإفريقية، بفضل أرمادة من اللاعبين الموهوبين، يتقدمهم آيت موهوب، زمور، زنير، باشطا، بتروني، باشي وغيرهم، وتعد سنوات عقد 1970-1980 الفترة الذهبية لمولودية الجزائر عقب الاستقلال، لثرائها بالألقاب والتتويجات جرى استهلالها بكأس الجزائر عام 1971، بقيادة المدرب علي بن فضة، على حساب الجار اتحاد الجزائر (2-0)، الاختصاصي في منافسة الكأس باعتبار خوضه لثالث نهائي تباعا تلك السنة.

وزاد ذاك الفوز من شهية العميد الذي شارك للمرة الأولى في الكأس المغاربية للأندية الفائزة بالكؤوس، التي احتضنها الملعب البلدي بالعناصر (20-أوت-1955 حاليا) بالجزائر العاصمة.

وعقب عام واحد تمكنت مولودية الجزائر من انتزاع أول لقب بطولة وطنية في رصيدها، ليكون فاتحة لديناميكية حصد الألقاب، بما أن أصحاب الزي الأحمر والأخضر فازوا بكأس الجزائر 1973 ضد "الغريم" التقليدي كذلك اتحاد الجزائر (4-2 بعد الوقت الإضافي).

وشهدت سنة 1976 ذروة أمجاد مولودية الجزائر، حينما نجح أشبال المدرب التاريخي عبد الحميد زوبا في نيل ثلاثية تاريخية، إثر اكتساح الجميع، فبعد خسارة الفريق في نهائي الكأس المغاربية، تدارك رفاق المحوري عبد الوهاب زنير بأفضل طريقة، والتتويج بالبطولة والكأس وكأس أبطال إفريقيا، بفضل تشكيلة ثرية يقودها هجوم "ناري" متشكل من بتروني، باشي، بوسري وبن شيخ.

وتابع شبان المولودية كتابة أمجاد فريقهم، ففي العام الموالي أضحى "العميد" أول فريق جزائري يضع أقدامه فوق أرضية ميدان ملعب "سانتياغو بيرنابيو" الشهير، إثر دعوة من ريال مدريد، للمشاركة في دورة ودية احتفالاً بمرور 75 سنة على تأسيس النادي الإسباني العملاق، ففي 21 مارس 1977، انهزم رفاق علي بن شيخ أمام فريق الريال القوي والمتكون من ديل بوسكي، برايتنر، كاماتشو وغيرهم (1-2)، لكنها خسارة بشرف، جراء تقديم أداء فني راقي للغاية جلب احترام واعتراف بقية الفرق الحاضرة.

وواصلت المولودية سيطرتها على المستوى المحلي بنيلها لقبي بطولة آخرين على التوالي (1978 و1979)، مختتمة عقدا كاملا من الانتصارات شكل إرثا ثقيلا للأجيال المتعاقبة على حمل قميص "العميد" ونموذجا ناجحا في مجال الإنجازات الرياضية.

 

الفراغ المزمن

مرّت المولودية بسنوات عجاف طويلة بين عامي 1980 و1990، أثرت كثيرا على نتائج الفريق، وهو ما أثار استياءً كبيرًا لدى الأنصار، فعدا كأس الجزائر سنة 1983 على حساب جمعية وهران (4-3 بعد الوقت الاضافي)، ووصافة البطولة في موسم 1988- 1989، عجز بويش، صبار، قطوش ومعيش في تكرار ما حققه أسلافهم، علمًا أنّ موسم 1984-1985 شهد سقوط الفريق إلى القسم الثاني.

وبعد عودة سريعة الى حظيرة النخبة، لم يستوعب النادي العاصمي الدروس وكاد يعود من حيث أتى في جويلية 1988، لولا الفوز الصعب المحقق على وفاق سطيف (1-0) بملعب "عمر حمادي" ببولوغين في آخر جولة، والذي منحه ورقة البقاء في بطولة الكبار.

وانتظر عشاق "العميد" قرابة عشرين سنة لمشاهدة فريقهم يعود الى القمة من جديد، عندما توج بلقبه السادس في البطولة الوطنية وكان ذلك في 1999 بالفوز في النهائي على شبيبة القبائل (1-0)، بملعب الشهيد "أحمد زبانة" بوهران.

وبقيادة المدرب المحنك، المرحوم عبد الحميد كرمالي، سيطر زملاء عامر بن علي على مجريات البطولة، مما سمح لهم بالعودة الى الساحة القارية، إلا أن مشاركتهم فيها سرعان ما توقفت أمام جان دارك السينغالي (1-1 ذهابا، 1-5 ايابا) وذلك في الدور الأول من المنافسة.

السيناريو ذاته تكرر مجددا وعادت المولودية الى نقطة الصفر، عندما نجت من السقوط في الوهلة الأولى، لكنها لم تفلت من هذا المصير خلال موسم 2001-2002 لتنزل الى القسم الثاني، غير أنها عادت سريعا إلى القسم الأعلى بقيادة الراحل نور الدين سعدي.

وعلى الرغم من حالة عدم الاستقرار على الصعيدين الإداري والفني، إلاّ أنّ النادي الأخضر والأحمر تمكن من تحقيق الألقاب في النصف الثاني من العشرية الأولى لسنوات 2000، بافتكاكه لكأس الجزائر مرتين متتاليتين (2006 و2007)، فضلا عن لقب وطني سابع وأخير في 2010، وعرف الفريق عودة مجمع سوناطراك في 2013، إلاّ أنّ المولودية لم تحز سوى على كأس الجزائر في 2014 و2016، رغم الإمكانات الضخمة التي وفّرها المساهم الرئيسي.

ومنذ هذا التاريخ، بقيت النتائج بعيدة عن طموحات "الشناوة" الذين باتوا يطالبون بإحداث "ثورة" حقيقية في النادي تسمح للتشكيلة بتسجيل انطلاقة جديدة على أسس متينة، كما قرر الأنصار عدم الاحتفال بـ"المئوية" بسبب تزامنها مع الوضع الصحي الصعب على خلفية تفشي فيروس كورونا، مفضلين جمع التبرعات لاقتناء قارورات الأكسجين لفائدة المصابين بالفيروس، وذلك تحت شعار (ماكاش فيميجان..كاين أوكسجين).

وفي مئوية العميد، يتطلع عشّاق مولودية الجزائر إلى قادم أحسن وانبعاث الفريق الأخضر والأحمر في مقبل المواسم.

رابح هوادف - موقع الإذاعة الجزائرية

رياضة, كرة القدم